الثورة أون لاين – رنا بدري سلوم:
وقفت الأديبة فلك طرزي من القارئ “موقف الجنائني الذي يتقدم من زائره بقلب متلهف واجم يهديه باقة من الزهر ضمت أنواعاً مختلفة من الورد، قد انتقى لجمعها من كل روض زهرة، ومن كل غيض وردة، وهو لا يدري أيرضى هذا الزائر عن شكلها ومنظرها، فيسره رضاؤه أم يعرض عنها، فيحزنه إعراضه”.
فكانت الأديبة السورية فلك طرزي ثورية الروح، متحررة من قيود التقاليد الرجعية المتزمتة، دعت في مقالاتها إلى تحرير المرأة وانطلاقها ومحاربة التقاليد الموروثة، وفضح المعاهدات السياسية والأحلاف العسكرية لكنها لم تستمر في الكتابة واكتفت بإصدار كتابها الأول والأخير” آرائي ومشاعري “.
ذكر الأديب عيسى فتوح في مقدمة كتاب الجيب إصدار اتحاد الكتاب العرب ما قدمه الدكتور عيسى الشماس عن الأديبة ” زرت فلك طرزي مرة واحدة في منزلها الكائن في شارع نوري باشا بدمشق في ستينات القرن الماضي، لأطلع على كتابها ” آرائي ومشاعري” الذي كان مفقوداً من المكتبات، ولما سألتها عنه أوشكت تنكر أن يكون لها كتاب مطبوع يحمل اسمها، بحجة أن المقالات العشرين التي تضمنها الكتاب، هي من عطاء مرحلة الشباب، واعترفت لي بأن في نفسها طبيعة تحملها على الازدراء بما تكتبه، سواء نشر أم لم ينشر، وأكدت هذا في مقدمة كتابها حين قالت: إن نفسها لا تكاد تريح ذاتها من بعض ما تنوء به من أعباء الفكر، حين تشعر أن ما خرج منها ليس إلا جزءاً من العبء الذي يزخر فيها، فيعاودها القلق والاضطراب، وكلما حاولت التخلص منهما، رجعا إليها بصورة أشد وأقوى ولهذا قلما تنعم نفسها بالراحة وتسعد بالاستقرار إن هي بلغتهما”.
تنصح طرزي في مقالة لها بعنوان ” في الأدب العربي ” بصورة خاصة هؤلاء الأدباء المتأدبين الذين يكاد غرورهم بأنفسهم يضع لإدراكهم حدوداً ضيقة محددة، أن يوسعوا نطاق مطالعاتهم وثقافتهم، علّ معرفتهم بالمفكرين العظماء الذين خدموا الفكر الإنساني حقاً وأفنوا أعمارهم في تقديمهم إليه خير الخدمات الجليلة، أقول علّ معرفتهم بهؤلاء العاملين للفكر، تقيهم شعر الغرور وتبعدهم عنه ليستريحوا ويريحوا غيرهم”.
وفي مقالة “أثر المرأة في النهضة القومية ” تؤكد أن أول شأن يجب معالجته قبل بقية الشؤون هو القلب، مخاطبة: أيتها السيدات، القلب ميزان الحياة الدقيق، والصلة التي تربط الإنسان بها، ومتى قامت بين الإنسان والحياة رابطة متينة تغلغل فكرة في زواياها وخلاياها وأدرك كل معنى من دقيق معانيها، وشعر بها ، تنفجر في أعماقه قوة حيوية، فإذا نحن عالجنا القلب ودققنا في تشخيص دائه، فمعنى ذلك أن كل واحدة منا انعكفت على ذاتها، وأخذت تفحص هذه الذات على نور البيّنة، فالمرأة من هيكل الأمة بمثابة القلب من جسم الإنسان يضبط توازنه وينظم الحركة الحيوية فيه”.
لم تكتب الأديبة فلك طرزي غير المقالة التي برعت فيها، لأن المقالة أقصر السبل لإيصال آراء الكاتب وأفكاره إلى جمهور القراء، واكتفت بنشر عشرين مقالة في كتابها آرائي ومشاعري وكتاب صلاح الدين الطرزي والقضية الفلسطينية عام 1982، أما المقالات التي نشرتها في مجلات الأديب والثقافة والرسالة فلم تجمع في كتاب،حيث اعتزلت الكتابة، وخفت حماستها لها، وانصرفت عنها إلى حياتها الخاصة حتى وافتها المنية في الخامس من نيسان عام 1987 عن سبعة وسبعين عاماً.
يلاحظ قارئ مقالات المفكّرة فلك طرزي الروح الثورية المتأججة في نفسها ورغبتها الملحة في الهدم والبناء في آن معاً، هدم الزيف والنفاق والدعاوات الباطلة والأقوال المخدرة، وبناء مجتمع على أسس متينة من الاستقلال الصحيح أسس لا تقوم على العواطف والأهواء، تسأل: أين هو المفكر الذي يصغي إلى صوت الحق ويصرخ في ضميره قائلاً: أنتم يا من تعلنون على رؤوس الأشهاد تفانيكم، امنحوني إخلاصاً صادقاً لا غشّ فيه، لأمنحكم تأييداً صحيحاً لا زيف فيه”

التالي