الثورة أون لاين – يمن سليمان عباس:
من يتتبع خطوات العنف الذي نشهده اليوم ويمارسه النظام التركي بحق الشعوب المحيطة به لن يكون بعيداً عن الوصول إلى جذور هذا الإرهاب الذي يتبع سياسة الأرض المحروقة، ويجد أن ما يقوم به نظام أردوغان هو تتابع فعلي ما قامت به السلاطين العثمانيون الذين ارتكبوا جرائم إبادة وتهجير قسري لمدة أربع مئة عام هي عمر امبراطورية الشر التي اسسوها.
كتاب الإبادة والتهجير والتوطين في الدولة العثمانية وورثتها ج١ لمؤلفه عدنان محمد مصطفى قبرطاي يتناول جانباً من هذه الجرائم الكبيرة التي تشكل وصمة عار بحق ليس الإمبراطورية العثمانية البائدة ووريثتها تركيا بل بحق العالم الذي يصمت ولايدين ما كان وما هو كائن الآن.
يقول المؤلف في كتابه: ليست الإبادة بالضرورة هي غرف غاز أو نووية أو جرثومية أو بيولوجية فالاستعمار العثماني البغيض كان له السبق منذ القدم في مجالات شتى مثل الإبادة وتهجير وتوطين الشعوب المستضعفة والمقهورة، وإحلال العنصر الطوراني مكانها، وارتكاب المجازر بأسلوبهم الخاص والمميز والمبتكر ماضياً وحاضراً.
ومن يستطيع تصور الكم الهائل من الأرواح البريئة التي أزهقت وستزهق في قارات العالم كلها.
بعد أن انطلق وحش الفكر الاستعماري وعملائهم من عقاله، وأنتج الإرهاب الأسود الذي تعيشه سورية والعراق وليبيا اليوم منذ تسعة أعوام.
* جثث تملأ الشوارع..
يقف المؤلف عند الاحتلال العثماني للوطن بعد معركة مرج دابق عام ١٥١٦م وما جرى من مذابح وإبادة لسكان المنطقة بكل فئاتها ومكوناتها الأثنية والعرقية، ولكن المؤلف يقصر الأمر على ما جرى للشركس وحدهم ما من إبادة على أساس أن قانصو الغوري الذي واجه الغازي السلطان سليم كان شركسيا أو ما يسمى المماليك.
وفكرة الكتاب هي بالكامل للحديث عن إبادة وتهجير مكون واحد هو الشركس… وكان يجب أن يقف المؤلف عند ما تعرضت له أيضا المكونات الأخرى لاسيما العرب في حلب وذبح أكثر من ٦٠ ألف عربي ثم رمي آلاف الجثث في آبار سحيقة، وتهجير الآلاف نحو الغابات والجبال ليكونوا بمواجهة إبادة أخرى هي من وحوش الطبيعة وعادياتها.
هذا كله كان ويجب الإشارة إليه ومع ذلك لا يقلل هذا الأمر اي الحديث عن جانب واحد لا يقلل من قيمة الكتاب أبدا بل يقدم وثيقة هامة تضاف إلى وثائق إبادة الأرمن، ويجب أن يعمل الباحثون على استكمال البحث والتنقيب فيما قام به العثمانيون من فظائع بحق أبناء الوطن العربي.
يخصص الباحث حيزاً كبيراً لما قام به العثمانيون وارتكبوه من فظائع بحق المماليك في مصر وكيف تم العمل على ذبح الآلاف منهم ورمي جثثهم في النيل وكذلك الغدر بآلاف آخرين ممن أعلنوا استسلامهم بعد أن أعطوا الأمان لكن الغدر المتأصل في نفوس الطغاة كان سيد الموقف.
خلاصة القول الكتاب وثيقة مهمة جداً يجب أن تستكمل من قبل ممن يعنون بالتاريخ وتوثيق جرائم الاحتلال العثماني… وقد بدأت دراسات متفرقة بالعمل على ذلك لكنها لم تكتمل.
صدر الكتاب عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق ضمن منشورات عام ٢٠٢١م وهو يقع في ٣٢٥ صفحة من القطع الكبير