الثورة: مازن جلال خيربك:
قروض كثيرة تموّلها المصارف العاملة في سورية من عامة وخاصة والتي تتراوح بين الشخصي الذي يتطلب في غالبيته كفالات شخصية لتدني مبلغه، والاستثماري والتنموي والتشغيلي والتي تكون مبالغها ضخمة في كثير من الأحيان الأمر الذي يتطلب ضمانة عقارية لكون العقار هو الأعلى ثمناً والأعلى قيمة في سورية.
بعد دخول سورية مرحلة الأزمة دخلت المصارف في مشكلة عويصة ناجمة عن تلاشي جزء مهم من الضمانات العقارية لقروضها نتيجة تخريب الإرهاب وظروف الكثير من المناطق الساخنة، ناهيك عن تدني قيمة الكثير من الضمانات العقارية في مناطق أخرى لتراجع الطلب لحساب العرض واتساع المعروض منها مقابل محدودية الطلب، ما جعل منها في أفضل الحال ضمانات دفترية لا قيمة واقعية لها ولا يمكن التصرف بها وحتى بيعها بالمزاد العلني لعزوف أصحاب رؤوس الأموال وحتى تجار العقارات ومستثمريها عن شرائها تحسبا للظروف.
محوريّ المشكلة
تاليا لذلك وبعد عودة الكثير الكثير من المناطق الساخنة لسيطرة الدولة وبسط الأمن والأمان عليها من بواسل الجيش العربي السوري واستقرار تلك المناطق برزت مشكلة جديدة لم تكن في الحسبان تتمحور حول قلّة السيولة وهي مشكلة ذات شقّين اثنين يفضيان إلى ذات النتيجة: أولهما عدم توفر السيولة لدى راغبي الشراء نتيجة الأسعار التضخمية لثمن العقارات وهو تضخم خلقه أصحاب العقارات لتعويض تراجع القيمة الشرائية للعملة، وبالتالي سد جزء من الفجوة الحاصلة بين دخلهم وإنفاقهم وبالتالي كساد المعروض وبقاء مشكلة المصارف على حالها، وثانيها توفر السيولة لدى بعض رؤوس الأموال والفعاليات التجارية والاستثمارية، ولكن العزوف عن الشراء كان هو سيد الموقف نتيجة الأسعار المرتفعة والتي سيضاف لها ربح الشاري وما أنفقه لإعادة تأهيل العقار وبالتالي ارتفاع السعر أكثر دون وجود المشتري، فيكون الأفضل لأصحاب السيولة والحال كذلك، الاتجاه صوب دورة أقصر لرأس المال في بيع وشراء المنتجات الاستهلاكية أو الاستثمار في إنتاجها.
كل ذلك أبقى المشكلة المصرفية على حالها وهي مشكلة خطيرة وليست بالهينة، خلقت وضعا استثنائيا لدى المصارف التي وظّفت سيولتها في القروض ولم تتمكن من استرداد جزء مهم منها، ولولا متانة وضع المصارف العامة السورية وعمق محفظتها وقوّة ملاءتها المالية لما تمكنت من تلبية السحوبات التي طرأت خلال سنوات الأزمة، فكانت تلبيتها على حساب باقي رصيد السيولة، لتعاود التصرف حيال ضماناتها العقارية المجمّدة.. فكيف كان تعاملها مع هذا الملف الثقيل؟
تحصيل المال
المدير العام للمصرف العقاري الدكتور مدين علي أكد أن الأولوية دائما لدى “العقاري” هي الضمانات الحقيقية مقابل القروض التي يموّلها والمغطية لنسبة 150% من قيمة القرض الممول، وبالانتقال إلى مرحلة التعثر المولّدة للمشكلة (المتمثلة بتملك المصرف لعقارات غير رائجة) فإن الأولوية في هذه المرحلة هي لتحصيل المال ولا يهم المصرف تملّك العقارات كونها تخلق مشكلة حقيقية للمصرف، مبينا أن اللجوء لامتلاك الضمانات يعتبر أخر العلاج، ولذلك يلجأ المصرف إلى كافة الطرق والأساليب تجاه المقترض المتعثّر لسداد قيمة القرض المضمون بالعقار بدءا من الإقناع وصولا إلى الطرق القانونية.
علي أكد أن الوصول مع المقترض إلى طريق مسدود لسداد ما عليه تلافيا لتملك العقار من قبل البنك حتى لا يكون قد حصّله بدلا من أمواله السائلة، يوجب تحويل عقاراته إلى ملكية المصرف ومن ثم إجراء مزادات داخلية مرة واثنتين وثلاث مرات يتم تسييلها إلى مال، مشددا على أن الغاية الأولى لدى البنك ليس بيع العقارات بل إقناع المقترض بالسداد حرصا على مصالحه ومصالح المصرف.
التوظيف أولاً.
المدير العام للمصرف الصناعي وجيه بيطار وتعليقا على هذا الموضوع أوضح أن المصرف ليس شركة وساطة أو تجارة عقارية وليس جهة استحواذ عقاري بل هو مؤسسة تُعنى بتوظيف سيولتها واستثمارها بالشكل الأمثل عبر القنوات التسليفية المتاحة، وبالتالي من المهم للمصرف التصرف بالعقار الضامن للقرض الذي موله، وذلك من خلال طرحه للبيع بعد فترة زمنية محددة بسنتين اثنتين، وهي المدة التي حددتها القرارات ذات الصلة من مجلس النقد والتسليف.
وبحسب بيطار فإن المصرف الصناعي ليس مهتما بتملّك وتجميع العقارات الضامنة لقروضه بل هو مهتم بالدرجة الأولى باسترداد أمواله وأرباحه من القرض الذي موّله، معتبرا أن إعادة طرح العقارات التي انتقلت لاسمه للبيع بالمزاد خلال سنتين من تاريخ انتقالها لاسمه، أو ردّها لمالكها الأصلي (المقترض) بيعاً بعد عدم شرائها من أحد في المزادات، يعبّر عن جوهر توجّه البنك بالابتعاد عن تملّك وتجميع العقارات لأنها قطاع بعيد عن عمل المصرف ونشاطه وتقتصر صلته بها على ضمان قرضه، وبالتالي فالمصرف يسعى حثيثا لتسييل العقارات التي انتقلت لملكيته لتعود سيولة مالية كما كان الحال قبل ضمان القرض الذي تعثّر وخسر ضمانته العقارية.