الثورة – محمود ديبو:
ليست هي المرة الأولى التي تقام فيها ورشة عمل تتخذ من (سوق العمل) محوراً رئيساً لبحثها ومناقشاتها وحواراتها مع مختصين ومعنيين بشؤون العمل والتوظيف واحتياجات القوى العاملة وسوق العمل وغير ذلك..
وليست هي المرة الأولى التي يتم فيها الانطلاق في البحث والمناقشة من المشكلات والمعاناة القائمة التي تشهده سوق العمل في القطاعين العام والخاص، ففي كلاهما يوجد منغصات ومشكلات تنعكس مباشرة على العاملين وكثيراً ما تضيف أعباء جديدة عليهم..
وعلى أهمية ما تم طرحه من نقاط وما تم تسليط الضوء عليه من أخطاء ومواضع خلل فإنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى نقطة جاء الحديث عليها وتحتاج لمزيد من التركيز والبحث بما يسهم بالدفع باتجاه السعي لإنجاز الكثير من الخطوات الإصلاحية ومعالجة الاختلالات الحاصلة في سوق العمل بالنظر إلى ارتباط تلك النقطة بمحور البيئة الاستثمارية وضرورة استقطاب الاستثمارات خاصة في هذه المرحلة مرحلة إعادة الإعمار.
النقطة الواجب الوقوف عندها كثيراً تتحدث عن ضرورة تهيئة البيئة المناسبة لتكون جاذبة للاستثمارات وغير منفرة لها، ومن العوامل الواجب مراعاتها في ذلك العمل على معالجة الخلل الحاصل في سوق العمل بما ينعكس على كل أوجه الاقتصاد ومنها البيئة الاستثمارية والتي هي واحدة من البوابات الاقتصادية الهامة التي يعول عليها في مرحلة إعادة الإعمار.
ذلك أن من أهم الاختلاطات التي تشهدها سوق العمل حالياً هي دوران اليد العاملة وعدم استقرارها في مكان عمل بشكل مستمر وخاصة من فئة الشباب وذلك بسبب عدم تلبية الأجور لحاجات الإنسان في ضوء التضخم الكبير الحاصل والتسارع في زيادة الأسعار، وبالتالي نجد أن العامل في بحث مستمر عن فرصة عمل أفضل، يتجه إليها تاركاً وراءه الفرصة السابقة، وذلك بهدف تحسين مستويات دخله وبالتالي النهوض بمعيشة أسرته ومن يعيلهم..
وهذا الأمر يتقاطع مع سعي بعض أصحاب العمل لاستغلال حاجة طالبي العمل وتحديد أجور غير مناسبة لنوعية العمل المطلوب.
كذلك هناك مشكلة في نوعية المهارات والاختصاصات المطلوبة لسوق العمل حيث نجد في هذه الفترة إقبالا كثيفا على العمل في المنشآت السياحة وذلك بالنظر إلى التوسع في إحداث منشآت (مطاعم صغيرة ومتوسطة، مقاهي، كافيهات، ..) ونجد أن عددا كبيرا من العاملين فيها إما موظفين في دوائر حكومية يعملون بدوام مسائي بعد عملهم، أو طلاب جامعات، أو حتى خريجين لم يجدوا فرصة عمل باختصاصهم فوجدوا أسهل طريقة لكسب العيش العمل في مطعم أو فندق أو (كافيه)..
وقد ينسحب هذا الأمر على العمل بالنشاط الصناعي والتجاري، حيث تقل الخبرات والمهارات الفنية والمهنية بشكل كبير، مقابل توافر أعداد كبيرة من الراغبين بالعمل بأعمال متنوعة تعتمد على القدرة البدنية أكثر من المهارات الأخرى..
لذلك فإن أي استثمار لا يجد في سوق العمل المهارات والكفاءات المطلوبة فإنه لن يسارع إلى إقامة فعاليته بالنظر إلى أنه غير قادر على الاعتماد على عمالة خارجية لأنها مكلفة جداً، ويبحث دائماً عن يد عاملة خبيرة محلية قد لا تكلفه أكثر من 10% مما يحتاج لدفعه إلى عامل يستقطبه من الخارج للاستفادة من مهاراته الفنية والمهنية.
وهذا يستدعي النظر بمنظومة التعليم الجامعي وما قبل الجامعي لدراسة احتياجات سوق العمل وتحديد المهارات والكفاءات المطلوبة وأعدادها ومتابعة كل جديد في أسواق العمل العالمية وما تطلبه من مهارات جديدة لمحاولة توطين تلك المهارات في مؤسساتنا التعليمية لتخريج دفعات من ممتلكي تلك المهارات والكفاءات.
بعد كل هذا لا بد من توافر تشريعات مواكبة لسوق العمل ولتطوراته لنظم العلاقة ما بين أصحاب العمل والعاملين بما يخلق حالة توازن واستقرار لكلا الطرفين وبالتالي يحقق الاستقرار المنشود للاستثمارات ويدفع باتجاه جذب المزيد منها.
التالي