ظافر أحمد أحمد:
الولايات المتحدة التي أتخمت العالم بأنّها تمثل العالم الحر الديمقراطي، هي ذاتها لا تتقبل نفسها إلاّ قائدة لقطب أوحد تريده دمية لها، وتقوم استراتيجية مؤسساتها على قاعدة الحق الأميركي في التدخل بشؤون كل الدول حتى الحليفة لها، وتستنفر جهودها لمنع تكوّن أيّ قطب آخر أو قوّة عالمية يمكن أن تتحوّل إلى قطب يصعب كسره.
ومع أنّ واشنطن تفرض سياستها الخارجية كقانون دولي، فإنّ تعدد الأقطاب والقوى العالمية بدأ أكثر تبلوراً مع زيادة جهودها في تطويق وخلخلة الدول المرشحة لتشكل قطبا عالميا غير مستنسخ عن القطب الأميركي..، ووصل الأمر بأن يصبح من مسلمات الدفاع عن النفس بوجه السياسة الأميركية التطويقية للاتحاد الروسي أن تشن موسكو حرباً في أوكرانيا وتفرض نفسها بحضور قطبي بكلّ ما يتطلبه من معركة الروبل لهزّ عرش الدولار، وعرش ماستر كارد التي تنمط قطاع الخدمات المالية وأنظمة الدفع والشراء، واتخاذ أيّ إجراء اقتصادي بمواجهة العقوبات الغربية، وشتى الإجراءات التجارية في الأسواق العالمية.
وإذا استمر التصعيد الأميركي في تايوان سيكون من مسلمات الدفاع عن النفس أن تشن الصين حرباً وتفرض نفسها بحضور قطبي أيضاً بكل ما يتطلبه من توظيف الاقتصاد لصالح الحضور الصيني.
وإنّ تعهد قمة مجموعة الدول الصناعية السبع – التي تشكل إحدى الدمى الأميركية- بتخصيص 600 مليار دولار لتمويل مبادرة (البنية التحتية المطلوبة في الدول النامية) في مواجهة مشروع (الحزام والطريق) الصيني..، دليل على حروب باردة في الاقتصاد العالمي، ومرتبطة في ارتداداتها بالحروب الحقيقية التي طبختها الولايات المتحدة في شتى الدول.
لذلك أصبح من الثابت خطأ مقولة (نهاية الحرب الباردة)، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي لأنّ حروب واشنطن الاقتصادية أصبحت أكثر وضوحاً، وبدورها القوى المرشحة لجعل العالم متعدد الأقطاب كانت تحضّر اقتصادها لحروب الاقتصاد والجغرافيا والسياسة..
الأهداف الاقتصادية هي الأبرز في الحروب الحقيقية التي قادتها واشنطن (غزو العراق- غزو أفغانستان)، وحروب أخرى لها يد طولى في طبخها (الحرب على اليمن، والحرب على سورية، وصولا إلى حرب أوكرانيا)، حتى وإنّ تمّ تسويقها أميركيا بأهداف سياسية مختلفة فإنّها ترافقت بإجراءات اقتصادية أميركية عدائية صريحة..
واليوم بدأت تطبيقات تعدد الأقطاب، وهذه التعددية لن تتعطّل بفعل الخطاب الأميركي الذي يضفي القداسة على مفهوم ناتو ومقولة أنّ الدفاع المشترك عن أراضي دوله هو “واجب مقدس”..
معارك تعدد القطبية تتوضح من خلال حروب الدفاع عن النفس، وحروب الاقتصاد الدفاعية أيضاً..وعند روسيا والصين الخبر اليقين بانتظار التغييرات والارتدادات على خارطة حلف ظلّ لسنوات طويلة يسمى (القطب الأوحد).