الثورة: مازن جلال خيربك:
دأبت وزارة المالية ومنذ سنوات على الاعتماد على قطع الحسابات كوسيلة لتحديد ما تحقّق من الواردات والإنفاق في العام السابق للعام الذي يتضمنه مشروع قانون قطع الحساب، بدلا من الموازنة والتي يمكن اختصار مفهومها الواسع وأدواتها وأهدافها والغايات المأمولة والمحققة منها بأنها توقعات الواردات والإنفاق للعام المقبل، بالنظر إلى أن الظروف العامة التي تعيشها البلاد تجعل من المستحيل تقدير الواردات تقديريا ولو مبدئيا فيكون الحل الواقعي المنطقي هو اللجوء الى قطع الحساب لتقديم ورقة عمل تفصيلية للسلطة التشريعية وأجهزتها الرقابية لمعرفة ما أنفق وما تحقق من إيرادات وعائدات.
فالموازنة العامة هي الخطة المالية السنوية للدولة ويتحدد بموجبها تقديرات الإيرادات المتوقع تحصيلها والنفقات المتوقع صرفها خلال سنة مالية، وهي بالنسبة للدولة وسيلة لتحقيق أهدافها في شتى المجالات، وأداة أساسية لممارسة الرقابة على إيراداتها ونفقاتها، من قبل السلطة التشريعية، بحيث تشتمل على جميع الإيرادات المقدر تحصيلها وجميع المصروفات المقدر إنفاقها بواسطة الوزارات والجهات الحكومية خلال السنة المالية، دون إغفال أي جزء فيها.
ووفقا للدكتور يوسف شباط في كتابه (قانون المالية العامة”، فإن سنوية الموازنة مبدأ أساسي من مبادئ الموازنة، فهو يحدد المدة التي توضع لأجلها الموازنة وتنفذ خلالها، وأن تكون هذه المدة المحددة الآتية سنة واحدة، أي أن تحضّر السلطة التنفيذية الموازنة لمدة سنة واحدة وأن تقرها السلطة التشريعية لمدة سنة واحدة، وأن تكون الأرقام التقديرية الواردة في صك الموازنة قابلة للتنفيذ خلال السنة المعينة، ما يعني أن الإجازة التي يمنحها مجلس الشعب بالإنفاق والجباية صالحة لمدة سنة واحدة ويجب أن تجدد سنوياً، أما جميع الاعتمادات المتبقية في نهاية السنة والتي لم يتم استعمالها، فتلغى.
أما قطع الحساب فهو أسلوب من أساليب ختام السنة المالية، حيث تتولى الحكومة في أثناء السنة المالية، جباية إيراداتها من الضرائب والرسوم المختلفة المقدرة في موازنة تلك السنة وإنفاقها في الوجوه التي وضعت لها في الموازنة نفسها، ولا يغيب عن الذهن أن ختام السنة المالية يثير مشكلات دقيقة ومعقدة من الناحية الفنية، وهنا تتبع بعض الدول أسلوب حساب القطع فتختتم السنة المالية في آخر يوم منها، وتفضل دول أخرى اتباع أسلوب حساب الإتمام فتختتم السنة المالية بعد مرور فترة على نهايتها.
أسلوب حساب القطع يقتضي إغلاق حساب السنة المالية في آخر يوم منها، بحيث تسجل جميع الإيرادات والنفقات التي تمت جبايتها أو إنفاقها فعلاً خلال السنة المالية في حسابها، أما الإيرادات والنفقات التي لم تتم جبايتها أو إنفاقها فعلياً خلال مدة السنة المالية، فتسجل في حسابات السنة المالية التالية، وعليه فحساب القطع يعتمد في تنظيم حسابات الموازنة على الوقت الذي صرفت فيه النفقة أو جبيت فيه الضريبة، ولا يضع في الحسبان السنة التي تعود لها النفقة أو الإيراد، وهو أسلوب يمتاز بالبساطة والسهولة، فهو غير معقد، ويختتم السنة المالية في آخر يوم منها، كما تظهر نتائج حسابات الموازنة في وقت مبكر، مما يساعد على تقدير نفقات الموازنة التالية وإيراداتها من جهة وعلى سلامة مراقبة السلطة التشريعية لتنفيذ الموازنة من جهة أخرى.
وعلى المقلب الأخر يظهر أسلوب قطع الحساب بعض السلبيات التي تحدّثت عنها واتفقت عليها كل النظريات والأدبيات القانونية الخاصة بأساليب ختام السنة المالية في القوانين المالية العامة، حيث يتيح هذا الأسلوب تسجيل الإيرادات والنفقات العائدة والمترتبة على سنة ما في حسابات سنة مالية أخرى، فيجمع من حيث الاستحقاق بين حسابات سنوات متعددة مما لا يقدم فكرة صحيحة عن مدى التنفيذ، كما يتيح للحكومة إظهار الموازنة متعادلة ظاهرياً، وعلى سبيل المثال للتوضيح، إذا شعرت الحكومة عند اقتراب نهاية السنة المالية أن النفقات ستزيد على الإيرادات، قامت بتأجيل صرف بعض النفقات إلى السنة المالية التالية، فيتحقق توازن ظاهري بين الإيرادات والنفقات في حين تكون الموازنة في الحقيقة واقعة في العجز، كما لا يساعد هذا الأسلوب على معرفة الوضع المالي الحقيقي وإنما يظهر حالة الصندوق في نهاية السنة المالية فقط.
الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة دمشق محمد خير العكام وحول الصفة الأكثر غلبة على قطع الحسابات ما بين كونها أسلوب من أساليب الموازنة أم مجرد آلية لمراقبة النفقات و الإيرادات ، بيّن أن قطع الحسابات هو التزام واجب التقديم من الحكومة إلى مجلس الشعب على شكل مشروع قانون قطع حسابات الموازنة العامة التقديرية بعد سنة على الأكثر من تنفيذها، لافتا إلى ان الغاية من وجود قانونين في السنة (القانون الأول هو الموازنة العامة التقديرية والقانون الثاني في ذات السنة هو قانون قطع الحساب) هو اطلاع السلطة التشريعية على الفروق الجوهرية التي تمت
بين الأرقام التقديرية التي سمحت للسلطة التنفيذية بصرفها وإنفاقها وجبايتها والأرقام التي كانت قد صرفت بشكل فعلي خلال تلك السنة، وذلك لمسائلة الحكومة حول سبب قيام التباين بين الرقمين، وعليه يكون الهدف من قانون قطع الحساب هو محاسبة الحكومة على دقة من عدم دقة التنفيذ والمساءلة عن الظروف التي حالت دون التنفيذ وفقا لقانون الموازنة العامة.
وبالنسبة لإمكانية اعتبار قطع الحسابات آلية فعلية جيدة قياسا إلى الوضع الحالي للبلاد اعتبر أن المشكلة خلال السنوات السابقة كانت بنهوض مشكلات لوجستية حالت دون تنفيذ قوانين قطع الحساب في موعدها الدستوري، في حين تقوم وزارة المالية حاليا بالعمل للوصول إلى قوانين قطع الحسابات المتراكمة والتي لم تقطع حساباتها حتى الآن باعتبارها التزام دستوري، حيث قدمت المالية في الدورة التشريعية السابقة (أي في الربع الأول من عام 2022) قوانين قطع الحسابات للسنوات الثلاث المتراكمة والذين أنجزوا، أما حاليا فقد وعد وزير المالية (منذ أسبوعين) بتقديم قطع الحساب لسنتين أخريين هما 2018 و2019 لكي نصل إلى نهاية العام دون قوانين قطع حساب متراكمة.
العكام وحول مدى امتلاك أسلوب قطع الحسابات من الإيجابيات أكثر مما يملك من السلبيات لفت إلى أن تقديم قانون قطع الحسابات من قبل الحكومة كلما كان أسرع، كلما كان وسيلة رقابية فعالة لدى السلطة التشريعية لمراقبة أداء التنفيذية عن سنة قطع الحساب المقدمة، وكلما تأخرت الحكومة في تقديمه كلما نقصت فعالية هذه الأداة الرقابية في يد السلطة التشريعية.