وفاء فرج:
كثيرة هي الانتقادات التي توجه للقطاع العام الصناعي حول تنفيذ خططه الاستثمارية وفاعليتها على الأرض، والبعض يوجه اتهاماته للإدارات بالتقصير ويتساءل عن مصير الأموال المرصودة لها إن كانت قد أنفقت جدياً على التطوير أم لا فيما إذا تمت المقارنة مع القطاع الصناعي الخاص الذي شهد قبل الحرب العدوانية على سورية تطوراً كبيراً على خطوط إنتاجه سبق فيه القطاع العام بأشواط كثيرة، فكيف يقرأ المعنيون هذه الفروقات بين القطاعين، وما هي الأسباب التي حالت دون تنفيذ الخطط الاستثمارية لدى القطاع العام وأدت لهذا التراجع؟
منظومة متكاملة
وزير الصناعة زياد صباغ يرى ان هناك فرقاً بين القطاعين العام والخاص فيما يتعلق بالأنظمة والقوانين التي تحكمهما حيث لا يستطيع الأول الخروج عنها بينما يتمتع القطاع الخاص بالمرونة وسرعة اتخاذ القرارات، وأشار أن هذا الفرق غير مرتبط بقانون محدد وإنما بمنظومة متكاملة تتبع لها كافة جهات القطاع العام بما فيها الصناعي، وتكمن المشكلة التي تواجه القطاع الإنتاجي في هذه المنظومة ككل التي تحتاج إلى تعديل لكي تعطي مرونة وصلاحية أكبر للإدارات في اتخاذ القرارات بسرعة أكبر بحيث يستطيع هذا القطاع القيام بعملية التطوير والتحديث كي يوازي القطاع الخاص.
شركات مساهمة
ونوه «صباغ» أنه تم العمل على هذا الجانب من خلال مشروع قانون تحويل شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة مملوكة من قبل الدولة وغير قابلة للبيع، مؤكداً ان مفهوم المساهمة لا يعني الخصخصة وإنما المحاسبة على النتائج، حيث ان هناك معايير عالمية لكل شركة بحيث تحاسب مجالس الإدارات على النتائج دون الدخول بتفاصيل وجزئيات العمل وكيفية إبرام العقود واستقدام الآلات والمواد الأولية ومنح المكافآت للعمال وشراء المستلزمات الإنتاجية حسب الحاجة ووضع السوق كون الأسعار غير ثابتة.
ليست مجردة
وأشار الوزير «صباغ» أن الخطة الاستثمارية ليست مجردة وتنفذ بمفردها وإنما تحتاج إلى إدارة كفوءة تتابع وتصر على تنفيذها، مبيناً أنه وخلال سنوات الحرب العدوانية على سورية كان هناك تدمير وتخريب كبير للمنشآت وقبل ذلك لم يكن تنفيذ الخطط الاستثمارية كما يجب، فكان هناك تفاوت بنسب التنفيذ بين الشركات، ويعود تدني هذه النسب أحياناً للإدارات، مضيفاً أن معاناتنا مع العقوبات الغربية الجائرة ليست وليدة اللحظة وإنما تعود لأكثر من ثلاثين عاماً، هذا إلى جانب تبدلات سعر الصرف والتضخم العالمي، وعدم توفر السيولة المالية والتشابكات المالية مع الجهات العامة كل هذا يؤثر على أداء الشركة في التعاقد وإبرام المناقصات وبالتالي تنفيذ الخطط الاستثمارية.
خيارات الحل
وتحدث «صباغ» عن عدة خيارات وحلول لوضع الشركات، قائلاً: «هناك شركات مدمرة بفعل الإرهاب تحتاج إلى إمكانيات مادية كبيرة والحل الأمثل لها إقامة نوع من الشراكة مع القطاع الخاص لإعادة تأهيلها وترميمها والإقلاع بها من جديد ويكون المستثمر الخاص شريك خلال فترة الاستثمار ومن ثم تعود الشركة بكل تجهيزاتها للجهة العامة»، وبين أن هناك شركات كانت متعثرة وخاسرة بالأساس وتم توقيفها خلال سنوات الحرب العدوانية على سورية أو تدميرها وتحتاج إلى البحث عن نشاطات بديلة ويتم العمل عليها وهناك عروض قدمت يتم دراستها، أما الشركات العاملة التي تحقق أرباحاً وريعية يتم العمل على منظومة القوانين بشأنها ودراستها بحيث يتم إعطاء إدارتها مرونة وحرية أكثر ويتم محاسبتها على النتائج، مشيراً أن هناك دراسة لتعديل كتلة القوانين بالإجمال خاصة أن القوانين وضعية ويسمح بتعديلها بحسب تطورات المرحلة.
إعادة تأهيل
مدير الشركة العربية المتحدة للصناعة (الدبس) الدكتور المهندس سليمان حسن أوضح أن الإجراءات الطويلة المتبعة لدى القطاع العام لتنفيذ الخطط الاستثمارية وتقلبات سعر الصرف مع عدم استقرار الأسعار تؤدي إلى عزوف العارضين عن التعاقد لتنفيذ المشاريع على عكس القطاع الخاص الذي يتعاقد بشكل مباشر، مبيناً الحاجة لخطة استثمارية تشمل بالدرجة الأولى إعادة تأهيل ورفع الجاهزية الفنية للآلات من قبل الخبرات المحلية في ضوء الإمكانيات المتاحة والاعتمادات المرصودة نظراً لصعوبة تأمين القطع التبديلية أو استقدام آلات جديدة من الخارج بسبب الحصار الجائر المفروض على سورية، وفي ضوء تحسن الظروف يتم إجراء دراسة كاملة لخطوط الإنتاج القديمة واستبدالها بخطوط إنتاج حديثة قادرة على إنتاج أصناف جديدة بمواصفات وجودة عالية تلبي حاجة السوق وبأسعار منافسة.
تفقد قيمتها
ويرى مدير عام شركة اسمنت عدرا المهندس هادي المحمد ان طبيعة وظروف العمل التي تحكم تنفيذ الخطط الاستثمارية تؤثر على سرعة التنفيذ نتيجة الإجراءات الكثيرة واستغراق وقت طويل لأخذ الموافقات والمصادقة على العقود الاستثمارية الأمر الذي ينعكس سلباً نتيجة تبدل الأسعار وعزوف العارضين خوفاً من إمكانية تعرضهم للخسائر.
وأوضح «المحمد» أن قيم متطلبات الشركات من مستلزمات الإنتاج على الخطة الجارية في ظل الظروف الحالية وارتفاع سعر الصرف تفوق ما يتم رصده للخطة الاستثمارية بعشرات الأضعاف، حيث إن شراء الآلات ومعدات الصيانة لتطوير خطوط الإنتاج تحتاج إلى المصادقة لتنفيذها وذلك يستغرق زمناً طويلاً ما يجعلها تفقد قيمتها عند التنفيذ ولا تفي بالحاجة.
وقال «المحمد»: «هناك خطة جارية وقيمها كبيرة تنفق على أمور متممة للعمل لا توازي بالأهمية ما تتضمنه الخطة الاستثمارية من مشاريع لتطوير عمل الشركة ويتم صرفها عن طريق آمر صرف الشركة وليست بحاجة إلى أي إجراءات أو تعقيدات وبالتالي هل يتطلب تنفيذ الخطة الاستثمارية كل هذه الاجراءات التي يفترض ان تكون أسرع في تنفيذها لاستمرار العملية الانتاجية ؟!»
قانون العقود
رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية غزوان المصري أوضح أن العقوبات الجائرة المفروضة على سورية أثرت على القطاع العام وجعلته غير قادر على الاستيراد وتحديث خطوط إنتاجه، كما أن قانون العقود ٥١ وما يتطلبه من وقت لإجراء الإعلان تكون قد تغيرت الأسعار خلاله يعرض المتعاقدين لخسارات كبيرة الأمر الذي يدفعهم للعزوف عن التعاقد مع القطاع العام، لذلك لا بد من تعديل هذا القانون ليكون القطاع العام أكثر مرونة مع المتعاقدين وإلا سيبقى كما هو غير قادر على النهوض والتطور مقارنة مع القطاع الخاص الذي يمتلك المرونة في تخطي العقوبات وتأمين مستلزماته لتطوير خطوط إنتاجه.
إعادة الحركة الاقتصادية
بدوره عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق ياسر كريم بين أن هناك عدة عقبات تواجه القطاع العام تتمثل بالقطع الأجنبي وعدم وضوح الهدف والخطة وصعوبة التسويق والمنافسة، ولتخطيها اقترح «كريم» التشاركية بطرق صحيحة وجيدة مع القطاع الخاص وبذلك تتم إعادة الحركة الاقتصادية من خلال استخدام العقارات وتطوير بعض خطوط الإنتاج القديمة والعمالة الموجودة لدى القطاع العام.
إبقاؤه عاجزاً
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور عابد فضلية قال: «ناتج القطاع العام الاقتصادي كان يشكل حوالي ٣٠% من إجمالي الناتج المحلي السنوي حتى نهاية الخطة الخمسية العاشرة عام ٢٠١٠ (أي من القيمة المضافة المنتجة)، كما يعتبر الحامل الاجتماعي والنوعي لعملية التنمية من خلال تشغيله لنسبة كبيرة من القوى البشرية العاملة عدا تصديه لتحديات ما لا يستطيع القطاع الخاص أو يرغب بإنتاجه آنذاك، مثل صناعة الإطارات والأسمدة والجرارات، إلا ان هذا الدور الفاعل والاستراتيجي بدأ بالتراجع لعدة أسباب منها تغير الفلسفة الاقتصادية والسياسة تجاهه والتطبيق الخاطئ لنهج اقتصاد السوق الاجتماعي حيث تم تثقيل جانب السوق المنفلت على الجانب الاجتماعي العام وكذلك الخاص وهو الأهم بسبب الإجراءات والتشريعات المالية الجائرة بحقه والتي تم تطبيقها على مدى عمر هذا القطاع حيث تم سحب جميع الربحية وفوائضه المالية التي كان يحتاجها بشدة لصيانة وتجديد أصوله الثابتة وآلاته ومستلزماته الإنتاجية الأمر الذي أدى إلى ضعف بنيته المادية وتقادم هذه الأصول واهتلاكها، إضافة إلى ما رافق هذا القطاع من أخطاء في الإدارة وسلوكيات منذ نشأته حتى الآن، وما تعرض له من سرقة وهدم وتخريب خلال الحرب الإرهابية التي ما زلنا نعيش ونعاني من آثارها ونتائجها، حيث ما زالت تعترض عملية إعادة بنائه وترميم منشآته العديد من العقبات والصعوبات والمشاكل، منها عدم توفر الأموال اللازمة لذلك والتعمد وعياً وفي اللاوعي لإبقائه عاجزاً مقابل إفساح المجال أكثر فأكثر ليحل القطاع الخاص وغير الخاص محله في العديد من أنشطته الاستراتيجية لتنطبق عليه -للأسف- مقولة «أكل لحماً ورمي عظماً».