الملحق الثقافي:
كتب أيمن العتوم متناولاً طقوس الكتابة عند العرب قائلاً:
الكاتب المصريّ محمد حسنين هيكل صاحب (خريف الغضب) لا يكتب مقاله الأسبوعي إلا بعد العاشرة مساءً.. والأديب مصطفى صادق الرافعي صاحب (وحي القلم) لا يكتب إلا في الليل، أما الصحفي مصطفى أمين مُؤسّس صحيفة (أخبار اليوم) وصاحب (سنة أولى سجن)، والرّوائيّ نجيب محفوظ صاحب (أولاد حارتنا) فهؤلاء لا يكتبون إلا في النهار.. أما أنيس منصور صاحب (عاشوا في حياتي) فلا يكتب إلا في الساعة الرابعة صباحًا!
وشاعر الحبّ والسّياسة نزار قباني يكتب غالباً وهو مُستلقٍ على الأرض أو نائِمًا على بطنه.. وأحيانًا لا يكتب إلا عندما يكون في منتهى الأناقة كأنه مستعد للقاء حبيبته.. وقيل إنّ جبرا إبراهيم جبرا استلهم رواياته من السير على الإقدام في شارع النهر في بغداد.
وهناك طقوس في اللباس.. فالعقّاد صاحب (العبقريّات) وأنيس منصور لا يكتبان إلا عندما يرتديان البيجامة!
أمّا الروائي والطبيب السوداني أمير تاج السّرّ، صاحب (مَهر الصّيّاح) عن طقوس الكتابة لديه قائلاً: «لا أكتب في البيت إلا نادرًا، ولا أكتب في الليل كما يفعل الكثيرون، وقد قمت منذ سنوات طويلة، باختراع مكان خاص بالكتابة، أرتاده يوميًا حين أكون منغمسًا في نصٍّ جديد، أو حتى لكتابة مقال من تلك التي أكتبها بصفة دورية، هذا المكان هو ركن ليس هادئًا تمامًا، في فندق متوسط بمدينة الدوحة حيث أقيم، وفي ذلك الركن أفتح كومبيوتري، وأنغمس بسرعة في كتابتي، ويمكن أن أرد على تحية عابر بقربي، ولا أنفصل عن الكتابة، أو أنهض وأتمشى قليلاً وأعود».
عبد السّتّار ناصر (كاتب عراقيّ) يقول في كتابه النّقديّ (سوق السّراي):
عبد السّتّار ناصر (كاتب عراقيّ) يقول في كتابه النّقديّ (سوق السّراي): «ينتابني قبل كتابة أيّ قصّة أو رواية، إحساسٌ غامضٌ جميل: أنّ هناكَ شيئًا في أعماقي يريد أنْ يرى النّور.
إبراهيم عبد المجيد، صاحب «لا أحد ينام في الإسكندرية»، فهو لا ينام فعلاً طوال الليل، المخصص كله للكتابة.. يقول: «علاقتي بالكون هي الكتابة.. وعاداتي أثناء الكتابة بسيطة للغاية ولم تتغير منذ بدأت أمارسها، حتى عند انتقالي من منزل لآخر لم أغير غرفة مكتبي بما تحويه، أحتفظ فيها بثلاثة دواليب للكتب، وما يزيد عنها أتبرع به أو أهديه للأصدقاء.. أحب الضوء الأبيض (الفلوريسنت).
أكتب الروايات عادة من بعد منتصف الليل وحتى شروق الشمس، لا بد أن أرى ضوء الصباح قبل أن أخلد للنوم، وأراجع ما كتبته بالنهار».. وعن نمط كتابته الروائية، يقول: «لا أعمل بشكل منتظم.. قد أكتب ثلاثة سطور أو ثلاث صفحات.. أستمع إلى الراديو وتحديدًا (إذاعة البرنامج الموسيقي)، التي تبثّ الموسيقا الكلاسيكية والخفيفة طوال الليل دون انقطاع.. بجواري زجاجة مياه؛ أشرب كثيرًا منها، وربما هي سبب بقائي على قيد الحياة.
عبد السّتّار ناصر (كاتب عراقيّ) يقول في كتابه النّقديّ (سوق السّراي): «ينتابني قبل كتابة أيّة قصّة أو رواية، إحساسٌ غامضٌ جميل: أنّ هناكَ شيئًا في أعماقي يريد أنْ يرى النّور.. لا أعرف ساعتَها لماذا أغسلُ جسدي من شوائب ما عَلِقَ به طَوال النّهار أو في ساعات اللّيل الأولى، المهمّ أنْ أغسلَ هذا الجسد حتّى يستعدّ معي للكشفِ عن هذا الشّيء الغامض المجهول».
ميكافللي صاحب كتاب (الأمير)، فكان ينهضُ فجأةً من مقعده ليجوب غرفته ذهابًا وإيابًا وهو يقرأ ما كتب، وكأنّه يُلقيه أمام حشدٍ من النّاس، فإذا أعجبه وتأثّر به أثبتَه في نصّه، وإنْ لم يتأثّر به حَذَفَه!
هذا بالنّسبة للكُتّاب العرب، فهل للكُتّاب الغربيّين طقوسٌ مُشابِهة؟ قِيل إنّ الروائي والكاتب الفرنسي (ألبير كامو) كان لا يكتب إلا عندما يكون واقفًا أمام البلكونة!
بينما نجد في الجانب الآخر الروائي الفرنسي (بلزاك) لا يبدأ في الكتابة إلا عندما يضع بجواره سطلاً كبيراً من القهوة وكان يشرب من أربعين إلى خمسين فنجاناً من القهوة.. وكذلك كان فولتير يشرب هذا المقدار من القهوة.
وأمّا إيزابيل اللّندي فتقول: «أبدأ كلّ كتبي في الثّامن من يناير، هل يُمكنكم تخيّل السّابع من يناير؟ إنّه جحيم! كلّ سنة، في السّابع من يناير، أبدأ بتجهيز مساحتي الملموسة.. أُخليها من كتبي الأخرى وأُبقِي على المعاجم، والمُسوّدات الأولى، والموادّ الّتي تحتوي على بحوث العمل الجديد.. وفي الثّامن من يناير، أخطو سبع عشرة خطوةً من المطبخ باتّجاه المُلحَق الصّغير المُقابل للمسبح حيثُ مكتبي، هذه الخطوات هي بمثابة رحلةٍ إلى عالمٍ آخَر.. إنّه الشّتاء، وعادةً ما يكون الجوّ مُمطِرًا، أمشي بمِظلّتي وكلبي يتبعني.. من هذه الخطوات السّبعة عشرة أنا في عالَمٍ آخَر، أنا شخصٌ آخَر وتقول: أقرأ روايتي بصوتٍ عالٍ، إنْ لم تكنْ مثل الطّريقة الّتي أتكلّم بها، أُغيّرها».
وتقول: في الصباح الباكر في مكتبي أوقد بعض الشموع للأرواح وعرائس الإلهام أتأمّل لبعض الوقت ودائماً ما أحيط نفسي بالأزهار والبخور ثُمّ أفتح ذاتي كُلّيًّا على التجربة التي ابتدأت في تلك اللحظة.
أمّا الرّوسيّ الأميركيّ فلاديمير نابوكوف صاحب رواية (لوليتا) فقد عُرِف بأنّ معظم كتاباته معقدة للغاية سواء في الحبكة أو في الألفاظ المستخدمة، وكانت عاداته أنه يكتب رواياته على كروت صغيرة وبالقلم الرصاص فقط ولا يستطيع الكتابة إلا وهو مُستلقٍ.
وأمّا أجاثا كريستي رائدة الرّواية البوليسيّة، فقالت: إنّ أَفضَل الأفكار تأتيني في الحمّام، ولا أستطيع وضع التصاميم إلا في الرياح الممطرة!
وأمّا أب الأدب الروسي، العظيم (تولوستوي) فكان يرتدي لباس الفلاحين قبل الكتابة.. والحائز على جائزة (نوبل) الروائي الكولومبي (ماركيز) فكان لا يبدأ الكتابة إلا عندما يرتدي لباس الميكانيكي!
والأميركيّ ديفيد بالداتشي، يقول: «في كلّ مرّةٍ أبدأ مشروعًا جديدًا، أجلس مُرتعِبًا حتّى الموت من احتماليّة عدم قدرتي على استِجلاب السّحر مرّة أخرى».
وإذا ذهبْنا إلى صاحب (الشّيخ والبحر) إرنست همنغواي فسنُصغي إليه يقول: إنه لا يكتب أثناء وقت الظهيرة أبدًا؛ لأنه يكره الحرّ، فهو يكتب إمّا في المساء أو في الصباح.. وكان إذا كتبَ في الصّباح يكتبُ في غرفة نوم واسعة ومشمسة، بقلم الرصاص، وهو واقف على رجلَيه، مُنتعِلاً حذاءً أكبر من مقاسه، وعلى ورق آلة كاتبة شفاف.
على الرغم من أنّ بعض الكُتّاب يقعون فريسةَ طقوسهم في الكتابة، ولا يستطيعون التّهرّب منها، إلاّ أنّ آخرين يكتبون لمجرّد أنّ حاجةً غير مفهومةٍ أو مرصودةٍ تدفعهم إلى ذلك.
حَشْدٌ آخَر من الكُتّاب الأجانب تميّزوا بطُقوس الوقت في الكتابة فهذا الفرنسيّ (بلزاك) صاحب (أوهام مفقودة) قد تعوّد أن يكتب ليلا، لكنّ الإنجليزيّ (تشارلز ديكنز) صاحب (قصّة مدينتَين) كان لا يكتب إلا عند الفطور، وأميل زولا صاحب (مادلين) لا يكتب إلا الساعة العاشرة صباحًا، ولا ينهض من مكتبه إلا بعد الساعة الواحدة ظهرًا.
لرولان بارت الذي تحدّث عن أقلام الريشة المفضّلة لديه، التي يجد راحة نفسية في الكتابة بها.
لكن بعض الطقوس تبدو غريبة فلا يكتب صاموئيل بيكت مؤلف المسرحية الشهيرة «في انتظار غودو» إلا وهو جائع، وهنريك إبسن وهو مسرحيّ آخر كان لا يكتب إلاّ حينَ يضع عقربًا في قارورة فوق منضدة لحظة البدء بالكتابة.
وثلاثة اشتركوا في أنّهم لا يُثبِتون نصوصهم إلاّ بعد أنْ يقرؤوها بصوتٍ عالٍ، وهم: (ميكافللي)، و (ديستويفسكي) و (إيزابيل اللّندي).
بقي أنْ أقول؛ إنّه على الرغم من أنّ بعض الكُتّاب يقعون فريسةَ طقوسهم في الكتابة، ولا يستطيعون التّهرّب منها، إلاّ أنّ آخرين يكتبون لمجرّد أنّ حاجةً غير مفهومةٍ أو مرصودةٍ تدفعهم إلى ذلك، دون أنْ يكون لا للقهوة ولا للموسيقا الهادئة ولا لزرقة السّماء أو امتداد الأفق أو هدير الموج، أو أيّ شيءٍ آخر علاقةٌ بأيّ طقسٍ لديهم.
العدد 1131 – 7-2-2023