الملحق الثقافي- ديب علي حسن:
الإنسان بغض النظر عن تعريفه أنه كائن اجتماعي، فهو ليس كذلك إلا لأنه كائن لغوي بامتياز فلا مجتمعات دون لغات وتواصل وتفاهم ..من هنا كانت اللغة أهم الإنجازات الإنسانية عبر التاريخ ..
ومن المعروف أن كل أمة تدعي أن لغتها هي الأجمل والأكمل ..بل وصل الأمر أن البعض تحدث أن لغة كذا هي لغة أهل الجنة.
من باب سد هذه الذرائع أو البحث في متاهات أي اللغات الأقدم والأسبق والأكمل اتخذت بعض المؤسسات العلمية قراراً منعت بموجبه البحث في هذا اللون من الأبحاث التي لا تصل إلى حقيقة قاطعة..
ومن باب الاهتمام باللغات كافة كان الاحتفاء بيوم اللغة الأم الذي كان منذ فترة قريبة.وكما هو معروف أن اللغة تنمو وتتطور وتجدد مفرداتها بتجدد متحدثيها، فلا قيمة للغة لا ينجز أبناؤها إبداعاً وعلوماً ومعارف تستدعي توليد مفردات ومصطلحات لغوية تضاف إلى رصيدها ..
لغتنا العربية مع كل فيها ولها من جماليات ابتليت بمرض النحاة وعدوانيتهم على المعاني ..إذ تحولت عند بعض القدماء إلى ألغاز ومماحكات لغوية نفرت محبيها وجعلتهم يذهبون إلى القول: إنها لغة التعقيدات ..الأمر الذي انسحب إلى انقباض المعنى وجفاف الرونق..
وكما يقول الدكتور مصطفى ناصف (نحتاج أن نرى اللغة رؤية متعالية أو شاملة أو واضحة بذاتها ونحتاج في الوقت نفسه إلى حركة اللغة والقيمة والشعور في معتقدات أوسع).
في لغتنا العربية ثمة اعتداءات وظيفية أدت إلى التكلس والجمود واختناق المعنى..وبعد النحو جاءت البلاغة اليابسة التي حولت النصوص إلى ألغاز وزخرفتها بالمحسنات البديعية التي أضاعت المعنى…
ولم تكد تتخلص منها وتعود إلى طبيعتها في هذا العصر..
حتى جاءت إغارات التطور التقني غير المنضبط ممن لا يعرفون ألف باء اللغة.
ناهيك بما يقوم به بعض حراسها كما يدعون (في مجامع اللغة) إذ يعارضون أي تطور لا يقاس على ما كان من أكثر ألف عام..
لغتنا ليست بخير..إنها بين انقباض واختناق واعتداء ونحن نتغنى بها دون فعل أي شيء.
العدد 1135 – 7-3-2023