الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
لقد أصبح الخطاب المكثف عن “الفصل” الاقتصادي، أو حتى “الحرب الباردة ” الجديدة بين الولايات المتحدة والصين، الدعامة الأساسية للحديث حول مستقبل الاقتصاد العالمي والاقتصاد الشرقي.
تضع الولايات المتحدة سياستها تجاه الصين على أنها “منافسة استراتيجية” وتسعى للحد من اعتمادها عليها من أجل حماية قاعدتها الصناعية، وتقليل اعتمادها على الواردات في القطاعات الحيوية، وتخفيف احتمالية تقوية الاعتماد المتبادل من قبل بكين.
في غضون ذلك، تؤكد القيادة الصينية أن الولايات المتحدة تهدف إلى احتواء وتطويق وقمع الصين وتهدف بالمثل إلى تقليل اعتمادها على السوق الأمريكية والتكنولوجيات الأمريكية، والسعي وراء شكلها الخاص من فك الارتباط .
تشير هذه التطورات إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي والإقليمي، والتي يمكن أن تكون ضارة بشكل خاص لاقتصادات شرق وجنوب شرق آسيا، كما أشار العديد من المحللين وصناع السياسات إلى أن النظام الاقتصادي الإقليمي الذي يعاني من تمزق العلاقات التجارية، على أساس المجالات الحصرية للقوى العظمى، من شأنه أن يؤدي إلى تكاليف اقتصادية كبيرة ويقوض استراتيجيات التنمية لدول شرق آسيا التي تعتمد على تصنيع شبكات الإنتاج.
ومع ذلك، فإن خطاب الفصل يخفي حقيقة أن الولايات المتحدة والصين تلعبان أدواراً اقتصادية مختلفة جداً في شرق آسيا ولديهما مصادر مختلفة للقوة الاقتصادية التي يمكن استخدامها لتشكيل الاقتصاد الإقليمي والتأثير على السياسة الإقليمية.
لا يزال الانفصال الفوري والحاسم عن الصين أمراً غير محتمل، لأن الصين تظل مركزاً رئيسياً في شبكات الإنتاج في شرق آسيا ومصدراً متزايد الأهمية للقيمة المضافة حتى بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة وشركائها.
تتمثل إحدى طرق قياس دور الصين في تقييم “محورها ” في التجارة، والذي يمثل الحصة النسبية للاعتماد التجاري للمنطقة على اقتصاد معين، ويوضح هذا الإجراء أن الصين تفوقت على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كمركز تجاري رئيسي لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وشمال شرق آسيا خلال الأزمة المالية لعام 2008، واستمر اعتماد شرق آسيا على التجارة الصينية في التعمق منذ ذلك الحين.
إن أحد المكونات الأكثر أهمية في استراتيجيات التنمية القائمة على التجارة والإنتاج لاقتصادات شرق آسيا هو الوصول إلى الأسواق الكبيرة لصادراتها، ووفقاً للكتاب السنوي الإحصائي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا، بلغ حجم تجارة الآسيان مع الصين 669 مليار دولار في عام 2021، بينما كان الرقم المقابل 364 مليار دولار فقط للولايات المتحدة.
وبلغ نصيب الصين من تجارة الآسيان 20 في المائة، بينما كانت حصة الولايات المتحدة 11 في المائة فقط، ومع ذلك، حيث حققت دول الآسيان فائضاً قدره 146 مليار دولار مع الولايات المتحدة، وعجزاُ قدره 107 مليارات دولار مع الصين. لكن الفجوة بين أهمية الأسواق الأمريكية والصينية ليست بهذا الحجم، لأنه على الرغم من العجز التجاري الظاهر لدى الآسيان مع الصين، فقد أصبحت أكثر اعتماداً على الطلب الصيني.
إن الأدوار المختلفة التي تلعبها الولايات المتحدة والصين في النظام الاقتصادي لشرق آسيا هي نتيجة للأسس المتميزة لاقتصاداتها المحلية، فقد اتبعت الصين نموذج نمو قائم على الإنتاج والاستثمار في العقود القليلة الماضية، في حين أن الولايات المتحدة هي اقتصاد صناعي ومالي بشكل كبير، ويدعمه ارتفاع الاستهلاك ومكانتها المركزية في النظام المالي العالمي، وهذا سيثبت أن تشكيل هذه الأساسيات أصعب من تغيير السياسات التجارية من جانب واحد.
يمكن أن تؤدي السياسات الصناعية الجديدة في الولايات المتحدة (وأوروبا) إلى “دعم الأصدقاء” وتنويع الواردات الأمريكية وتوفير فوائد اقتصادية لرابطة دول جنوب شرق آسيا البلدان عن طريق تحويل بعض نشاط التصنيع من الصين إلى جنوب شرق آسيا.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تتحدى هذه السياسات بشكل أساسي موقع الصين المركزي في التجارة الإقليمية وشبكات الإنتاج على المدى المتوسط.
لقد أصبحت الصين بلا شك أكثر أهمية بالنسبة للاقتصادات الإقليمية كسوق ومصدر لرأس المال المالي، في الوقت نفسه، لا يمكن ضمان المصالح الأمنية الأمريكية تجاه الصين إلا من خلال حلفائها وشركائها الإقليميين، الدول التي ستتكبد خسائر اقتصادية فادحة في حالة الانفصال الحاسم، حتى في مواجهة الفوائد المحدودة.
وكما يشير القادة الإقليميون، فإنهم بحاجة إلى كل من القوى العظمى للبقاء منخرطة في شرق آسيا، وتشير الحقائق الاقتصادية إلى أنه من الأفضل القيام بذلك.
المصدر- ذا ديبلومات