الثورة- منهل إبراهيم:
لا تقتصر الخلافات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية على الجانب التجاري فحسب، بل تمتد لتشمل التكنولوجيا، والأمن الإقليمي، وحقوق الإنسان، وحتى التنافس على قيادة النظام العالمي.
وتؤكد شبكة الأخبار البريطانية “بي بي سي” أن قمة الرئيسين الصيني شي جين بينغ والأميركي دونالد ترامب تأتي في لحظة دقيقة، حيث يسعى الطرفان إلى تحقيق نوع من التوازن بين المصالح المتضاربة، وسط عالم يشهد تحولات جذرية في موازين القوى.
ومنذ عام 2018 أصبحت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين أحد محاور التوتر الرئيسية، ليس فقط من زاوية التبادل التجاري، وإنما من زاوية تنافس الهيمنة الاقتصادية وإعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية.
وشهد عام 2018 انطلاق شرارة أحد أبرز النزاعات التجارية في القرن الحادي والعشرين بين البلدين، بعدما أعلنت واشنطن سلسلة من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، في خطوة وصفتها بأنها ردّ على ممارسات تجارية “غير عادلة”.
وردت بكين سريعاً بإجراءات مماثلة، فرضت بموجبها رسوماً على واردات أميركية تبلغ قيمتها نحو 60 مليار دولار، وقد مثّلت هذه الخطوات المتبادلة بداية مرحلة التصعيد الاقتصادي بين أكبر اقتصادين في العالم، وهو ما عرف لاحقاً بالحرب التجارية الأميركية – الصينية.
وبحلول أوائل أيار 2025، وصلت الأمور إلى نقطة احتدام شديدة، حيث كانت مستويات الرسوم والعقوبات قد ارتفعت إلى حدود “شبه تجميد للتجارة” بين البلدين، ما أدى إلى تداعيات اقتصادية واسعة، انعكست بوضوح على الأسواق العالمية، وعلى ميزان التجارة بين البلدين.
وتشير تقديرات إلى أن الأسواق الأميركية تكبدت خسائر تقدر بنحو 5 تريليونات دولار، نتيجة تصاعد التوترات التجارية والإجراءات المتبادلة بين واشنطن وبكين، أما على صعيد الميزان التجاري، فقد بلغ العجز التجاري الأميركي مع الصين ذروته عام 2018 ليصل إلى نحو 418 مليار دولار، قبل أن يتراجع تدريجياً إلى حوالي 295 مليار دولار في عام 2024، وفق بيانات نشرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية.
الخلاف بين البلدين انتقل بسرعة من التجارة التقليدية إلى تكنولوجيا القطاعات الحساسة، مثل أشباه الموصلات، الذكاء الاصطناعي، والمعادن النادرة.
وتشير تقارير “فايننشال كونتنت” إلى أن الصين تسيطر على نحو 60 في المئة من إنتاج المعادن النادرة في العالم، وتتحكم بما بين 85 و90 في المئة من عمليات معالجتها، وتعد هذه المعادن عنصراً أساسياً في تصنيع التقنيات المتقدمة مثل الرقائق الإلكترونية، والبطاريات، والمعدات العسكرية الحديثة، ما يمنح بكين نفوذاً واسعاً على سلاسل الإمداد العالمية.
من جانبها، ترى الولايات المتحدة أن تمكن الصين من تقنيات الجيل الجديد مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الفائقة، وتصنيع الرقائق الدقيقة – يشكل تهديداً مباشراً لتفوّقها التكنولوجي والعسكري، وفقاً لتقارير صحفية غربية.
وقد أخذت بعض الخلافات الاقتصادية والتكنولوجية طابعاً سياسياً واستراتيجياً وجغرافياً، لا سيما حول ملفات مثل جزيرة تايوان، بحر الصين الجنوبي، والقدرات العسكرية للصين.
ووفق تحليل معهد الشؤون الخارجية الأميركي، تعد منطقة مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي “من أخطر النقاط الساخنة” في العلاقة بين البلدين، حيث تلقي بكين باللائمة على تحركات واشنطن في تلك المناطق.
ويشكل البعد العسكري أحد أبرز وجوه التنافس بين الولايات المتحدة والصين، إذ باتت منطقة آسيا والمحيط الهادي ساحة رئيسية لصراع النفوذ بين القوتين، مع ما تحمله من تداعيات على الأمن الإقليمي والعالمي.
وتشير مجلة “تايم” إلى أن الولايات المتحدة تعمل منذ سنوات على مراجعة وجودها العسكري في آسيا، ضمن استراتيجية تهدف إلى تعزيز تحالفاتها الدفاعية مع دول رئيسية في المنطقة، مثل اليابان وأستراليا والهند، وذلك في إطار ترتيبات أمنية متقدمة مثل تحالف “أوكوس” (AUKUS) والحوار الأمني الرباعي”.
ومع أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين يتركز على الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية، فإن ملف حقوق الإنسان يظل محوراً دائماً في العلاقات المتوترة بين البلدين، ويستخدم أحيانا كأداة سياسية ضمن هذا الصراع متعدد الأبعاد.
ورغم أن الأثر المباشر لهذا الملف على الاقتصاد أو التكنولوجيا يبقى محدوداً، فإن حضوره المتكرر في الخطاب السياسي والإعلامي يعمق الانقسام بين واشنطن وبكين، ويضعف فرص التفاهم الكامل بينهما، مما يجعل العلاقات بين القوتين محكومة دائماً بمزيج من التنافس والمواجهة الأيديولوجية.