تعرفة  الكهرباء .. كيف يوازن القطاع  بين الاستدامة والمواطن؟ 

الثورة – وعد ديب:

في ضوء القرار الأخير الصادر اليوم عن وزارة الطاقة بشأن تعديل تسعيرة الكهرباء، وما أثاره من نقاشات واسعة بين المواطنين والمهتمين بالشأن الاقتصادي، تزداد أهمية تسليط الضوء على سياسات الطاقة في سوريا، بوصفها تؤثر في حياة الناس اليومية ومستوى معيشتهم.

” الثورة” التقت الخبير الاقتصادي، المهندس باسل كويفي، الذي قدم رؤية تحليلية شاملة حول واقع الطاقة في البلاد وتحدياتها الحالية، مبرزاً أبعادها الوطنية والاجتماعية والاقتصادية.

يقول المهندس كويفي: “تُعتبر الطاقة الكهربائية خدمة رئيسية من الخدمات المُلزمة للدولة، ويوصف انقطاعها المستمر سواء بشكل فني أو إداري بأنه من مُهددات الأمن القومي، رغم كافة المبررات المقدمة بشأن انقطاع الخدمة، فإن الكهرباء والماء والغاز والوقود هي خدمات مرئية للعامة ويتم استخدامها على مدار اللحظة، وتُعد مؤشرات رئيسية يستخدمها المواطن للوقوف على مدى كفاءة الحكومة وقدرتها على تجاوز وحل الأزمات.”

متابعاً: “هناك إشكاليات خارجية المنشأ، وإشكاليات داخلية تتعلق بشكل خاص بكيفية إدارة الموارد الوطنية، فالحكومة مسؤولة عن كفاءة معالجة الإشكاليات الداخلية، ومسؤولة عن كفاءة إدارة هذه الموارد وعن تأهيلها وإعادة تخصيصها بما يحقق العائد الأمثل، وتوفير التغذية الكهربائية بشكل مستمر لكل القطاعات، وبالتالي فهي مسؤولة عن أي هدر أو فساد قائم أو محتمل في توزيع الطاقة الكهربائية.

التسعيرة الجديدة

وفيما يتعلق بقرار وزارة الطاقة حول التسعيرة الجديدة للكهرباء، قال المهندس كويفي:”باعتقادي أن تأثير التعرفة الجديدة على العائلات الفقيرة والمدعومة كبير، حيث إن 300 كيلوواط شهرياً للعائلة ليس واقعياً بل يجب زيادة الشريحة إلى 500 على الأقل نظراً لضعف قدرتها المالية، ويمكن القول: إن فعالية الدعم تعتمد على تصميم النظام ومرونته وقدرته على استهداف المحتاجين بدقة، مع تحفيز تقليص الاستهلاك مقابل كفاءة الإنتاج.”

وأفاد بأن”أنظمة الشرائح التصاعدية تُعد أداة فعالة لتشجيع ترشيد الاستهلاك، إذ يدفع المستخدمون أسعاراً أعلى للاستهلاك الأعلى، وهناك تجارب دولية ناجحة في هذا المجال ساهمت في خفض الاستهلاك.”

المهندس كويفي قال : “نحن أمام مشكلة متعددة الأوجه تشمل الاستهلاك والإنتاج معاً، مع ضرورة تحسين كفاءة محطات توليد الكهرباء وتحديث الشبكات ما يقلل الفاقد المقدر بما لا يقل عن 30بالمئة، ولذلك غالباً ما يكون المزيج بين تحفيز ترشيد الاستهلاك وتحسين كفاءة الإنتاج هو الحل الأمثل.”

وبرأيه، “فمن الضرورة إعداد ودعم إعلامي عبر برامج توعية لترشيد الاستهلاك، وحوافز لتركيب أنظمة الطاقة المتجددة المنزلية، وتحسين كفاءة الشبكات وتقليل الفاقد، ومراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية في تصميم السياسات لتحسين كفاءة القطاع الكهربائي في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.”

وفي رده على سؤال “الثورة” حول العدالة في قرار التسعيرة الجديدة، أوضح المهندس كويفي: “العدالة في التسعيرة الواردة في قرار السيد الوزير تتماشى مع عدالة التوزيع والاقتصاد الحر، ففرض رسوم على استهلاك المؤسسات الحكومية يساهم في ترشيد الاستهلاك وتحسين الكفاءة التشغيلية، ويهدف إلى تعزيز ثقافة الترشيد في القطاع العام، ويدعم تحقيق الاستدامة في استخدام الموارد، ويخفف العبء عن الموازنة العامة ويعالج جزءاً من خسائر القطاع الكهربائي.”

مشيراً إلى أنه بخصوص تأثير التكاليف على القطاع الصناعي والزراعي والسياحي، فهذا يحتاج إلى دراسة الإجراءات بشكل متوازن لحماية القطاعات الإنتاجية، ولكن وفق منهج الاقتصاد الحر الداعم للقطاع بعد الإنتاج وليس قبله، في ظل معلومات عن أن الحكومة تعمل على تطوير حلول متكاملة تشمل تحسين الشبكات وزيادة الكفاءة وتنويع مصادر الطاقة، مع الأخذ بالاعتبار

الأولويات الوطنية والظروف المعيشية للمواطنين.

لا بد لنا من اليقين، والكلام للمهندس كويفي، بأن النظام الكهربائي في سوريا يعاني من تحديات هيكلية تتمثل في تلف وتقادم جزء كبير من البنية التحتية (محطات توليد، شبكات نقل وتوزيع)، بسبب الحرب والعقوبات، بالإضافة إلى نقص الوقود، وتعديل الأسعار يهدف إلى زيادة الإيرادات التي من المتوقع أن توفر سيولة مالية يمكن توجيه جزء منها للصيانة الدورية، ما يحسن كفاءة المحطات الحالية وإعادة تأهيل الشبكات لتقليل الفاقد التقني في نقل وتوزيع الكهرباء، وتوفير الوقود عبر شراء كميات أكبر لتشغيل المحطات لساعات أطول.”

وإن تحسين كفاءة القطاع من خلال التعديل بالأسعار يهدف إلى تشجيع المستهلكين (المنزليين والصناعيين والحكوميين) على ترشيد الاستهلاك، ما يقلل الحمل على الشبكة، والأهم هو تحفيز دور الطاقة البديلة (المتجددة)، وبرأي الباحث الاقتصادي ، هو حل استراتيجي أساسي، فهو يقلل الاعتماد على الوقود، ويوفر مليارات الدولارات على الموازنة، وصديق للبيئة، ويساهم في إطالة أمد التغذية، خاصة مع أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية والتجارية والصناعية والزراعية التي تخفف الحمل عن الشبكة العامة.”

الشفافية في التطبيق

مبيناً أنه “لضمان العدالة الاجتماعية في تطبيق نظام الشرائح، يمكن للحكومة اتخاذ برامج حماية اجتماعية موازية، منها تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي مثل المساعدات النقدية المباشرة أو برامج الدعم للسلع الأساسية الأخرى لتخفيف الأثر التضخمي لزيادة الكهرباء على الفئات الأضعف، مع الشفافية والتواصل عبر شرح نظام الشرائح وأهدافه للمواطنين بشكل واضح، والإعلان عن كيفية استخدام الإيرادات الإضافية لتحسين الخدمة لتعزيز القبول المجتمعي.”

وإن “نجاح أي تعديل في تعرفة الكهرباء مرهون بمدى تحقيق التوازن بين الهدف المالي (تقليل الخسائر)، والهدف الاجتماعي (حماية الفقراء) والهدف الاقتصادي (عدم إلحاق ضرر كبير بالقطاع الإنتاجي)، بالإضافة إلى كفاءة تحويل الإيرادات إلى تحسين ملموس في خدمة الكهرباء.”

يقول المهندس باسل كويفي: “كنت قد كتبت مقالاً عام 2021 بعنوان (تغيير المعايير الاجتماعية – الاقتصادية للتعافي) أوردت فيه ضرورة دمج وزارتي النفط والثروة المعدنية ووزارة الكهرباء لتصبح (وزارة الطاقة)، بما يتيح آلية عمل مشتركة بامكانها وضع سياسات عامة تنعكس إيجابياً على توفر المواد والطاقة والتنمية، وقد تم ذلك بعد انتصار الثورة السورية في أول حكومة انتقالية، والآن أعتقد بضرورة إضافة مديرية متخصصة في الطاقة المتجددة ضمن ملاك وزارة الطاقة.”

قائلاً: من المشاريع المتوقع دعمها وتحفيزها لدى وزارة الطاقة، هي المياه لتوليد الكهرباء من خلال العنفات  الموجودة في سدي الفرات وتشرين وإعادة تأهيلها لإنتاج الطاقة وحواملها، وإعادة تدوير النفايات لتصنيع الكهرباء بدلاً من حرقها كما يُعد تفعيل اتفاقية الربط الكهربائي مع لبنان والأردن خطوة استراتيجية مهمة.”

“أما بالنسبة لأهمية موقع سوريا في المرحلة القادمة، ،فبحسب كويفي، فهو يُعد مركزاً تجارياً عالمياً يربط بين قارات العالم.

ويشدد المهندس باسل كويفي على أن نجاح سياسة الكهرباء يعتمد على تحقيق التوازن بين الأبعاد المالية والاجتماعية والاقتصادية، مع تعزيز الطاقة المتجددة وحماية المواطنين ذوي الدخل المحدود، وضمان تحسين الخدمة بفعالية وشفافية.

آخر الأخبار
"ما خفي أعظم" بين الناس والمؤسسات المالية والمصرفية !      السوريون يستذكرون الوزير الذي قال "لا" للأسد المخلوع   خطة الكهرباء الجديدة إصلاح أم عبء إضافي ؟   العثور على رفات بشرية قرب نوى في درعا  محافظ حلب ومدير الإدارة المحلية يتفقدان الخدمات في ريف حلب الجنوبي   "الاتصالات" تطلق الهوية الرقمية والإقليمية الجديدة لمعرض "سيريا هايتك"   إطلاق حملة مكافحة التسول بدمشق وريفها   لجنة مشتركة بين السياحة و مجموعة ريتاج لدراسة المشاريع الفندقية  غرفة صناعة دمشق توقع مذكرة تفاهم مع المجلس النرويجي للاجئين  تعرفة  الكهرباء .. كيف يوازن القطاع  بين الاستدامة والمواطن؟  وزير الخارجية الألماني: من واجبنا المساهمة في إعادة إعمار سوريا  سوريا تهنئ حكومة وشعب تركيا بمناسبة يوم الجمهورية   إنجاز 40 بالمئة من إنارة دمشق بـ1800 نقطة ضوئية في ملتقى العمل..  تدريب وفرص عمل  للنساء وذوي الإعاقة  صدام الحمود: زيارة الشرع إلى الرياض بداية مرحلة جديدة   وفد من "الداخلية" يشارك في مؤتمر التدريب الأمني العربي بالدوحة هدفها تحقيق الاستدامة.. الكهرباء تصدر تعرفة جديدة لمشتركيها  الشرع يبحث مع وفد ألماني تعزيز التعاون والمستجدات الإقليمية والدولية سوريا تغير لغتها نحو العالم.. الإنكليزية إلزامية والفرنسية والروسية اختيارية "إعمار سوريا": خبراتٌ عالمية تتجسد.. وتخصصٌ دقيقٌ يرسم طريق المستقبل