سوريا تغير لغتها نحو العالم.. الإنكليزية إلزامية والفرنسية والروسية اختيارية

الثورة – لينا شلهوب:

في فصول المدارس السورية هذا العام، لم يكن القرار الجديد حول تدريس اللغات مجرد تعديل في المناهج، بل خطوة تكاد تشبه إعادة رسم لخريطة الهوية الثقافية والتعليمية للبلاد، ففي الـ27 من الشهر الحالي، أصدرت وزارة التربية والتعليم قراراً يقضي بجعل اللغة الإنكليزية مادة إلزامية في جميع المراحل الدراسية، تحسب علاماتها ضمن مواد الرسوب والمجموع العام، بينما تبقى الفرنسية والروسية خيارات حرة يمكن للطلاب الاستفادة من درجاتها فقط إذا كانت أعلى.

تحول في المشهد التعليمي

منذ عام 2014، عندما أُدخلت اللغة الروسية إلى المناهج الرسمية بعد تعزيز العلاقات بين دمشق وموسكو، بدا أن سوريا تتجه إلى تعميق ارتباطها بالشرق، وقبلها كانت الفرنسية حاضرة في بعض المدارس الثانوية، خاصة في المناطق التي حافظت على تقاليد ثقافية قديمة تعود إلى فترات خلت.

لكن اليوم، ومع القرار الجديد، تغيّرت المعادلة: الإنكليزية أصبحت القاسم المشترك الإجباري بين جميع الطلبة، في خطوة فسّرها كثيرون بأنها إشارة إلى إعادة التموضع الثقافي والسياسي للبلاد بعد مرحلة الاضطرابات والتحولات الأخيرة.

مدير التعليم في وزارة التربية والتعليم سائر قدور أكد لصحيفة الثورة، أن الهدف هو إعداد جيل قادر على التواصل مع العالم، فاللغة الإنكليزية ليست مجرد مادة دراسية، بل أداة للعمل والمعرفة والبحث العلمي، إلا أن هذا لم يمنع الجدل الواسع الذي تلا الإعلان، سواء داخل الأوساط التعليمية أو في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

لغة السوق أم لغة الهوية؟

القرار جاء ليواكب -بحسب قدور- احتياجات سوق العمل المتغير، حيث أصبحت الإنجليزية مطلباً أساسياً في معظم الشركات والمنح الدراسية والمنصات الرقمية.

فيما أشار عدد من المختصين التربويين إلى أن النقاش لم يتوقف عند حدود التعليم، بل امتد إلى أبعد من ذلك، متسائلين: هل المسألة مجرد استجابة واقعية للعولمة الاقتصادية والمعرفية؟ أم أن هناك توجهات أخرى.

فيما أوضح آخرون أن اللغة مرآة للاتجاه السياسي والاقتصادي، وعندما نختار أن ندرّس الإنكليزية إلزامياً فنحن نعلن -بوعي أو دون وعي- أننا نريد أن نكون جزءاً من النظام العالمي الجديد، لا تابعين لمحور بعينه.

بينما يرى آخرون أن القرار قد يخلق فجوة ثقافية، إذ عبّر معلم اللغة الفرنسية علاء منصور، عن قلقه قائلاً: نحن لا نرفض تعلم الإنكليزية، لكن حصر الإلزام بها يُضعف التنوع الثقافي، فاللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل وسيلة تفكير وانتماء.

تباين بين الطلاب والمعلمين

في استطلاعات أولية أجرتها “الثورة” ظهرت ردود الفعل منقسمة، فالطلاب وأولياء الأمور رحبوا بالقرار إلى حد كبير، معتبرين أن الإنكليزية هي “لغة المستقبل” وفرص العمل والهجرة، بينما معلمو الفرنسية والروسية عبروا عن مخاوف حقيقية من فقدان وظائفهم أو تقليص حصصهم الدراسية.

عدد من الخبراء التربويين حذروا من الانتقال السريع دون إعداد بنية تعليمية كافية من المعلمين المؤهلين والمناهج الحديثة، تقول لمى حسن، طالبة ثانوية، أنا أحب الفرنسية، لكن بصراحة الإنكليزية أهم، فكل شيء على الإنترنت باللغة الإنكليزية، الدورات، المنح، وحتى المسلسلات.

أما فادي عمار مدرس لغة روسية، فيرى الأمر بشكل آخر، يقول: من المؤسف أن تهمش اللفة الروسية بعد أن أتقنها العديد من الطلاب، فالتعليم لا يجب أن يكون انعكاساً للسياسة فقط.

 بين الترحيب والتحليل

غطت وسائل إعلام عديدة القرار باعتباره خطوة تحديث وتطوير في النظام التعليمي، مشددة على أن اللغات الأخرى ستبقى خياراً ثقافياً حراً.

لكن الإعلام الدولي ذهب إلى أبعد من ذلك، فقد تناولت تقارير في صحف فرنسية وروسية الموضوع من زاوية سياسية، معتبرة أن سوريا تنفصل تدريجياً عن إرث تحالفاتها القديمة، وتتجه نحو “لغة الغرب” كبوابة للانفتاح على الاقتصاد العالمي.

في المقابل، ركزت تحليلات عربية على أن القرار قد يشكّل فرصة استراتيجية لسوريا لإعادة تأهيل جيلها الشاب بعد سنوات من العزلة، ما يفتح الباب أمام استقطاب استثمارات وشراكات أكاديمية جديدة مع جامعات وشركات في أوروبا وأميركا.

من الناحية الاجتماعية، يتوقع أن يسهم القرار في تغيير سلوكيات التعلم بين الطلاب والأسر، إذ سيركز معظمهم على تعلم الإنكليزية في المعاهد والدورات الخاصة، وربما على حساب اللغات الثانية.

اقتصادياً، يحتمل أن يخلق ذلك طلباً متزايداً على معلمي اللغة الإنكليزية، مقابل انخفاض الحاجة إلى معلمي الفرنسية والروسية، ما قد يؤدي إلى إعادة التوزيع في فرص العمل التعليمية.

يقول الخبير التربوي عبد الرحمن المصري، القرار منطقي من منظور سوق العمل، لكنه يحتاج إلى خطة موازية لحماية المدرسين الذين سيتضررون، كون الانتقال اللغوي يجب أن يكون تدريجياً لا صادماً.

تداعيات

الخبيرة التربوية ثناء أبو فخر، بينت أن لهذا القرار مجموعة من التداعيات، فعلى المدى القصير، من المنتظر أن تبدأ وزارة التربية والتعليم بتطبيق القرار في الامتحانات العامة القادمة، مع تعديل أنظمة الدرجات، وهذا سيزيد الضغط على الطلاب لتقوية لغتهم الإنكليزية سريعاً، خاصة في المناطق الريفية التي تفتقر إلى مدرسين مؤهلين.

أما على المدى المتوسط، من المرجح أن تتحسن فرص الطلاب السوريين في الالتحاق بالجامعات الأجنبية أو العمل في شركات التكنولوجيا والتجارة الدولية، مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي، لكن بالمقابل قد يؤدي ذلك إلى تراجع في الاهتمام بالفرنسية والروسية، وإلى تقلص برامج التبادل الثقافي مع فرنسا وروسيا اللتين كان لهما حضور تقليدي في المنح والتعليم السوري.

الفرص والتحديات

العديد من الفرص تنجم عن ذلك -حسب أبو فخر- منها تأهيل جيل أكثر انفتاحاً وقدرة على المنافسة العالمية، مع تحسين فرص الطلاب في المنح والوظائف، وتعزيز البنية التكنولوجية والتعليمية من خلال موارد إنكليزية مفتوحة المصدر.

بالمقابل هناك مجموعة من التحديات، منها نقص الكادر المتخصص لتدريس الإنكليزية بجودة عالية، بالإضافة إلى خطر تهميش اللغات الأخرى وفقدان التنوع الثقافي، فضلاً عن الحاجة إلى تدريب معلمين وإعادة هيكلة المناهج خلال فترة قصيرة.

وزارة التربية والتعليم أعلنت أنها ستطلق قريباً برنامجاً وطنياً لتأهيل معلمي الإنكليزية، مع تحديث مناهج المراحل الإعدادية والثانوية لتصبح أكثر تفاعلية واعتماداً على المحادثة واستخدام التكنولوجيا.

 بين التحديث والهوية

اللغة ليست مجرد وسيلة للتعلم، بل بوابة لفهم العالم وصياغة الانتماء، هذا ما نوهت به الموجهة التربوية ريما دوارة، مضيفة أن قرار سوريا بجعل الإنكليزية إلزامية ليس تفصيلاً تربوياً، بل إشارة إلى تحوّل وطني شامل نحو الانفتاح والتوجه نحو الاقتصاد العالمي، مع ما يحمله ذلك من فرص وتحديات، والأكثر من ذلك سيستفيد جيل الشباب بلا شك من هذه النقلة، لكن التحدي الأكبر سيبقى في الموازنة بين الانفتاح والتنوع، بين التقدم والذاكرة، وبين لغة المستقبل ولغات التاريخ.

آخر الأخبار
"ما خفي أعظم" بين الناس والمؤسسات المالية والمصرفية !      السوريون يستذكرون الوزير الذي قال "لا" للأسد المخلوع   خطة الكهرباء الجديدة إصلاح أم عبء إضافي ؟   العثور على رفات بشرية قرب نوى في درعا  محافظ حلب ومدير الإدارة المحلية يتفقدان الخدمات في ريف حلب الجنوبي   "الاتصالات" تطلق الهوية الرقمية والإقليمية الجديدة لمعرض "سيريا هايتك"   إطلاق حملة مكافحة التسول بدمشق وريفها   لجنة مشتركة بين السياحة و مجموعة ريتاج لدراسة المشاريع الفندقية  غرفة صناعة دمشق توقع مذكرة تفاهم مع المجلس النرويجي للاجئين  تعرفة  الكهرباء .. كيف يوازن القطاع  بين الاستدامة والمواطن؟  وزير الخارجية الألماني: من واجبنا المساهمة في إعادة إعمار سوريا  سوريا تهنئ حكومة وشعب تركيا بمناسبة يوم الجمهورية   إنجاز 40 بالمئة من إنارة دمشق بـ1800 نقطة ضوئية في ملتقى العمل..  تدريب وفرص عمل  للنساء وذوي الإعاقة  صدام الحمود: زيارة الشرع إلى الرياض بداية مرحلة جديدة   وفد من "الداخلية" يشارك في مؤتمر التدريب الأمني العربي بالدوحة هدفها تحقيق الاستدامة.. الكهرباء تصدر تعرفة جديدة لمشتركيها  الشرع يبحث مع وفد ألماني تعزيز التعاون والمستجدات الإقليمية والدولية سوريا تغير لغتها نحو العالم.. الإنكليزية إلزامية والفرنسية والروسية اختيارية "إعمار سوريا": خبراتٌ عالمية تتجسد.. وتخصصٌ دقيقٌ يرسم طريق المستقبل