هل تشعر الحيوانات بالزلازل قبل وقوعها؟

د. م. محمد رقية
سؤال وردني من عدد كبير من الأصدقاء وقد أجلت الإجابة عليه حتى الآن لأن هناك مواضيع تتعلق بالزلازل كانت أكثر أهمية.
منذ القدم  يعلم الناس أن بعض الحيوانات تملك وسائل إحساس خاصة تحس بوقوع الزلازل قبل حدوثها، لذا يهتم العلماء في الأقطار الزلزالية بمراقبة تصرفات الحيوانات داخل البيوت وفي الحظائر أو في حدائق الحيوان, حيث أنه من المعروف أن الأبقار والكلاب والقطط يعتريها الاضطراب قبل وقوع الزلازل ببضع ساعات وأكثر الحيوانات اضطراباً هي تلك التي تعيش في الجحور بباطن الأرض كالثعابين والفئران وغيرها، ويؤكد علماء سلوك الحيوان أن لديهم نظرية تقول بإمكان اتخاذ الحيوانات كأجهزة إنذار مبكرة للزلازل.
ثمة قصص مثيرة يطالعها الباحثون عن تاريخ الزلازل وأحداثها، وأول ما رصد في الأدبيات الإغريقية التي تعود إلى عام ٣٧٣ قبل الميلاد، والتاريخ يذكر شيئاً عن زلزال المدينة الإغريقية القديمة هيليس، فقبل وقوع الزلزال بخمسة أيام كما يشير الدكتور فوزي الغيثاوي (1993) شاهد الناس الفئران وابن عرس وكثير من حيوانات الجحور وهي تفر مذعورة من جحورها, ثم راحت في جماعات كبيرة تجوب طرق المدينة قبل حدوث الزلزال الذي حولها إلى ركام.
وفي زلزال سان فرانسيسكو الذي دمرها عام 1906 نقرأ أن نباح الكلاب لم ينقطع عن المدينة قبل ساعات من الزلزال المذكور, الذي قتل أكثر من خمسين ألف شخص.
ولا يزال  الاعتقاد سائداً بأن الحيوانات أنقذت العديد من الصينيين خلال زلزال عام 1975، وتقول الرواية الأكثر تداولاً في هذا الصدد، إنه في شتاء 1975، أمر المسؤولون الصينيون بإخلاء مدينة هايتشنغ في مقاطعة لياونينغ الشمالية الشرقية، في اليوم السابق للزلزال، بناءً على تقارير عن سلوك حيواني غير عادي وتغيّرات في مستويات المياه الجوفية.
وفي 6 أيار من عام  1976 كما يشير د. الغيثاوي في منطقة فريولي شمال شرق إيطاليا, أصيبت الحيوانات في مساء ذلك اليوم فجأة بحالة الهستيريا والاضطراب الغريب حيث خرجت الفئران من جحورها مذعورة في جماعات، وهرعت الكلاب إلى الطرقات وأسطح المنازل وظلت طيلة الليل تنبح بلا توقف، وهربت القطط من البيوت كما خرجت حيوانات المواشي من حظائرها.
وفي زلزال القاهرة 12 تشرين الأول 1992 كان أول من شعر بالزلزال الحيوانات الموجودة في حديقة الحيوان بالجيزة (السحالي – الثعابين – الزواحف الأخرى – الطاووس – الفيلة – الأسود …الخ).
ويشير د.سامي طه نقيب الأطباء البيطريين السابق في مصر بهذا الصدد أن سلوكيات الحيوانات يجب دراستها بدقة، لأنها قد تفيدنا في كثير من المسائل، بما فيها التنبؤ بالزلازل، موضحا أن أفضل الكائنات في أداء هذه المهمة هي الكلاب والخيول لأن مستواها في التفكير عال، كما أنهما الأكثر ذكاءً، عدا عن وفائهما.
وفي زلزال سيتشوان الصينية عام 2008، جرى تناقل صور لجحافل الضفادع وهي تغزو شوارع المقاطعة المجاورة، كما رُصدت تصرفات غريبة لحيوانات في حديقة حيوانات محلية، وإثر ذلك عجت المدونات الصينية  بسؤال: “لماذا لم تنبه هذه العلامات الطبيعية الحكومة إلى وقوع كارثة؟”.
وفي عام 2018، جرى تداول عدة أخبار عن أن كلاب مدينة هوالين التايوانية نبهت سكانها، قبل حدوث زلزال بلغت شدته 6.4 درجة على سلم ريختر.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن  مارتن ويكيلسكي من معهد “ماكس بلانك” لدراسة سلوك الحيوانات في ألمانيا قاد تحقيقا مهما في الأنماط السلوكية المتغيرة بين مجموعة من الحيوانات قبل أيام من وقوع الزلزال في موائلها، فقد زرع ويكيلسكي أجهزة استشعار على 6 أبقار و5 أغنام وكلبين كانت في منطقة معرضة للزلازل بشمال إيطاليا.
تمت مراقبة هذه الحيوانات لعدة أشهر قبل وأثناء سلسلة من الزلازل التي ضربت المنطقة، جمع ويكيلسكي وفريقه من الباحثين بيانات كشفت عن تغيير في سلوك حيوانات المزرعة قبل 20 ساعة من وقوع الزلزال.
أظهرت الحيوانات نشاطا أكثر بنسبة 50 بالمئة خلال إطار زمني مدته 45 دقيقة مقارنة بالأيام السابقة.
من خلال سلسلة من الحسابات، توقع الباحثون بدقة زلزالا قوته أعلى من 4 درجات، وباستخدام نفس الطريقة، توقع الباحثون 7 من أصل 8 زلازل قوية.
وهنا يتساءل الكثير من الناس كيف تستشعر الحيوانات بقرب حدوث الزلازل.؟
إن لدى علماء الزلازل وخبراء سلوك الحيوان نظريات متعددة تتعلق بقدرة الحيوانات على استشعار هذه الحوادث.
نحن نعلم  بأن الزلازل لا تحدث هكذا فجأة بل يسبقها مقدمات أولية تمهد لها وتنشأ  عنها ومنها تغير في الحقل المغناطيسي الأرضي وفي الكهرباء الجوية وفي درجة الحرارة وفي مستوى المياه في الآبار العميقة وأصوات تحدث في الأعماق وهي تغيرات تقع خارج نطاق قدرة الإنسان على الإحساس بها، ولكن تقع ضمن مجال إحساس الحيوانات.

وقد بين علماء الحيوان مؤخراً كما يشير د. الغيثاوي عن اكتشافات مثيرة تتعلق بوجود مجسات لدى بعض الحيوانات تمكنها من تسجيل التغيرات الضعيفة التي تسبق الزلازل واكتشفوا وجود أجهزة حساسة تلتقط التغيرات الكهربائية الحاصلة وأجهزة أخرى تستشعر التغيرات الطفيفة الحادثة في المغناطيسية الأرضية واكتشفوا وجود حواس سمع عجيبة بوسعها تتبع الأصوات في باطن الأرض التي تسبق الزلازل.
فقد تبين للباحثين أنه توجد داخل أجسام بعض الحيوانات مثل النحل والحمام وأسماك السلمون وبعض الحيتان وفي الدلافين وبعض الفئران والسلاحف المائية والنوارس البحرية وغيرها بوصلات مغناطيسية عالية الحساسية تستطيع أن تحدد المتغيرات البسيطة للمجال المغناطيسي الأرضي وتتكون من أجسام ممغنطة قوامها أكسيد الحديد المغناطيسي في خلايا تحتوي على ملايين الأجسام الممغنطة.
ونحن نعلم بأن القدرات السمعية للإنسان محدودة فإذن الإنسان عاجزة عن سماع الموجات الصوتية التي تقل تردداتها عن  20 هرتز وهو الحد الطبيعي السفلي للسمع البشري، والحد الأعلى للترددات الصوتية العالية تبلغ نحو 20.000 هرتز، أي ٢٠ ألف ذبذبة في الثانية، ما فوق ذلك لا تسمعه الأذن البشرية.
غير أن بعض الحيوانات كالقطط والكلاب والثعالب والذئاب لديها قدرة فائقة على سماع الأصوات ذات الترددات العالية والتي تحصل أثناء الزلازل وحتى 60 ألف ذبذبة في الثانية كما أن الفئران والدلافين والحيتان والخفافيش تستطيع تحديد الأصوات الأعلى التي تصل تردداتها إلى مئة ألف ذبذبة في الثانية.
كما يشير الباحثون إلى أصوات ضعيفة جداً يمكن أن تنتج عن الهزات الأولى يصعب سماعها من قبل الإنسان  فإنه توجد بعض الحيوانات القادرة على سماعها مثل الحمام الزاجل الذي بوسعه التقاط الأمواج الصوتية حتى ثلاث ذبذبات في الثانية، كما أكد الباحثون أن الأسماك تستطيع أن تسمع الأصوات الضعيفة ذات الترددات المنخفضة جداً وتتأثر بالموجات الزلزالية التي تتردد عبر مساحات هائلة في البحر.
وقد عرف اليابانيون منذ زمن هذه الحقيقة لذلك أخذت تنتشر في بيوتهم أحواض السمك ليس فقط للزينة وإنما كأجهزة إنذار مبكر للزلازل كما يقول د. غيثاوي.
وفي المجال الكهربائي تمتلك الحيوانات حاسة عالية تجاه أي تغير ضعيف في الكهربائية تفوق حاسة الإنسان بشكل كبير وهي ترتبط بنسب الأيونات الموجبة أو السالبة في الهواء فقد بين الباحثون أن زيادة الأيونات الموجبة في الجو أو نقص الأيونات السالبة يؤدي إلى تنشيط أنزيم المونو أمين أوكسيد , الذي يوجد في المخ والأمعاء ومجرى الدم مما يسمح بتراكم هرمون السيروتونين في الجسم وخاصة في الصفائح الدموية ولهذا الهرمون تأثير لدى الحيوانات وبالتالي فإن تغير التأين في الجو يمكن أن يؤدي لهذه الأعراض قبل حدوث الزلازل , وهناك نظرية أخرى تربط التغيرات الكهربائية بحاسة الشم لدى الحيوان وهي فائقة الحساسية لدى الكثير من الحيوانات مثل الثعابين وطائر التبريل والفئران والكلاب , حيث تفوق هذه الحاسة في الكلاب مليون مرة مقارنة بالإنسان حيث أن بوسع الكلاب التعرف على الماء المالح من العذب عن طريق الشم. والإحساس بالروائح المترافقة مع الزلازل ذات الشحنات المكهربة تشعر بها هذه الحيوانات وتؤدي لاضطرابها.
وقد شرح الجيولوجي الأميركي جوزيف ل. كيرشفينك هذه الظاهرة في دراسة علمية نشرت عام 2000، قائلا إن العديد من الحيوانات يمكن أن تشعر بموجة “p” وهي واحدة من النوعين الرئيسيين لموجات الجسم المرنة، تسمى الموجات الزلزالية في علم الزلازل، تنتقل هذه الموجات  بشكل أسرع من الموجات الزلزالية الأخرى، وبالتالي فهي أول إشارة من الزلزال تصل إلى أي موقع متأثر أو إلى جهاز قياس الزلازل.
هذا وقد صدر في عام 1973 بعض التعليمات الحكومية للفلاحين الصينيين التي تحذرهم من الزلازل ومنها ما يتعلق بالحيوانات كما يشير إلى ذلك د. أحمد المهندس حيث تؤكد هذه التعليمات الحذر إذا حدث التالي:

1- إذا رفض القطيع من الأغنام أو الخيول دخول الزريبة.
2- إذا تراكضت الجرذان خارجاً من جحورها.
3- عندما يطير الدجاج إلى رؤوس الأشجار.
4- عندما تهرب الخنازير من حظائرها.,
5- عندما يرفض البط النزول إلى الماء.
6- عندما تنبح الكلاب من غير سبب.
7- عندما تخرج الأفاعي من أوكارها في ثباتها الشتوي.
8- عندما يخاف الحمام ويرفض العودة إلى الأعشاش.
9- عندما تتقافز الأرانب مرفوعة الآذان وتصطدم مع الأشياء حولها.
10- عندما تقفز الأسماك في الماء وكأنها مذعورة.
وفي دراسة لعلماء المركز القومي للخدمات الخاصة بالزلازل في الولايات المتحدة تبين أن خروج الصراصير من مخابئها بشكل فجائي وجماعي ينبئ عن قرب حدوث الزلزال، وفي رأي دافيد استوارد مدير قسم الجيولوجيا الطبيعية في جامعة كاليفورنيا أن هروب الجرذان من مخابئها ورفض دخول الخيول إلى إصطبلاتها واضطراب الأسماك والحيوانات بشكل عام يعتبر سلوكاً مهماً في مجال التنبؤ عن الزلازل.

كل ذلك يدعونا للتأمل في ألغاز هذه الأرض والحياة عليها، ويدعونا أيضاً إلى تركيز الأبحاث المتعلقة بسلوك الحيوانات تجاه الزلازل بما فيها اعتماد الوسائل التقنية الحديثة المرتبطة بالاستشعار عن بعد وأصبح تطبيقها أكثر سهولة حالياً من خلال الأنواع  العديدة والميزات المتعددة التي تتمتع بها آلاف  التوابع الصنعية التي تدور حول الأرض.

*باحث أكاديمي ومؤلف كتاب الزلازل ومخاطرها في بلاد الشام

آخر الأخبار
المركزي يصدر دليل القوانين والأنظمة النافذة للربع الثالث 2024 تحديد مواعيد تسجيل المستجدين في التعليم المفتوح على طاولة مجلس "ريف دمشق".. إعفاء أصحاب المهن الفكرية من الرسوم والضرائب "التسليف الشعبي" لمتعامليه: فعّلنا خدمة تسديد الفواتير والرسوم قواتنا المسلحة تواصل تصديها لهجوم إرهابي في ريفي حلب وإدلب وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة بالعتاد والأ... تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة