الثورة – ميساء العلي – بيداء الباشا :
ختم الدكتور إبراهيم العدي أستاذ المحاسبة بكلية الاقتصاد بجامعة دمشق محاضرته حول واقع النظام الضريبي وآفاق تطويره خلال جلسة تفاعلية مع طلاب الدراسات العليا في الكلية اليوم بمقولة للإمام علي بن أبي طالب وجهها لعامله مالك بن الأشتر على مصر ” وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا ولا يثقلن عليك شيء خففت به المؤونة عليهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك ”
مراجعة تاريخية
استاذ المحاسبة بدأ محاضرته بمراجعة تاريخية للمرسوم التشريعي رقم 85 لعام 1949 والذي يعد جوهر النظام الضريبي الحالي على سورية وعموده الفقري وكل ما حدث من تطورات لاحقة تعد تعديلات شكلية ومتواضعة في إطار النظام الذي وضعه المرسوم المذكور.
ورأى أن التعديلات التي حدثت كانت عودة إلى نقطة البداية على الرغم من عشرات القوانين والمراسيم التي حدثت خلال أكثر من سبعين سنة مضت وخاصة التعديلات خلال العقدين الماضيين الأخيرة ، موردا مقارنة بسيطة بين المعدلات والشرائح الصادرة عام 1949 والمعدلات المطبقة الآن في سورية : المادة 16 من المرسوم 85 لعام 1949 جعلت أعلى معدل ضريبي على الدخل هو 30% من الدخل والمادة 16 من القانون 24 لعام 2003 المعدلة بالمرسوم 51 لعام 2006 جعلت أعلى معدل ضريبي هو 28% فإذا أضفنا رسم الإدارة المحلية والذي نسبته 10% من الضريبة يكون أعلى معدل جوالي 30% وطبعا خلال الأزمة تم إضافة رسم إعادة الإعمار حاليا يبلغ 10% من الضريبة وبهذا فإن جوهر النظام الضريبي الحالي الذي يطبق اليوم هو ما أقره المرسوم التشريعي 85 لعام 1949 فهل هذا يقع ضمن ما يسمى بالإصلاح الضريبي يسأل الدكتور العدي ؟
قصور
وانتقل إلى الحديث عن نواحي القصور والتخلف في النظام الضريبي الحالي ، ومنها أنه ما زال يعمل بنظام الضرائب النوعية الذي تخلت عنه جميع الدول العالم وهو بحد ذاته قصور وفشل بالسياسة الضريبية فعلى سبيل المثال الطبيب الذي يمارس عمله كأستاذ جامعي في كلية الطب بجامعة دمشق ويعمل لدى الجامعة السورية الخاصة ولديه عيادة خاصة ويقوم بإجراء عمليات بعدة مشافي خاصة ولديه عقارات مؤجرة للغير إضافة لأموال في عدة مصارف ويتاجر بالعقارات و… و.. هذا يعني كل نشاط يخضع لضريبة نوعية مختلفة وبيان ضريبي خاص وبالتالي عدم القدرة على إخضاع دخل الطبيب للتصاعد الضريبي والبعد عن العدالة وتفتيت الدخل إلى دخول يؤدي إلى تفتيت الضريبة إلى ضرائب صغيرة وذات حصيلة متدنية، مع العلم أن سورية قررت إلغاء نظام الضرائب النوعية الحالي منذ أكثر من نصف قرن بصدور القانون رقم 130 لعام 1961 والمتضمن ضريبة الإيراد العام وهذا يعني أن سورية كانت مهيأة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لإلغاء نظام الضرائب النوعية لكن يبدو وبحسب العدي هناك أصحاب مصالح من كبار التجار والصناعيين المستفيدين من الفوضى الضريبية والفساد الضريبي وعدم قدرة أو رغبة وزارة المالية على إلغائه .
وقال العدي: إنه وبالرغم من صدور القانون رقم 24 لعام 2003 والذي اعتبرته الحكومة وزارة المالية جزء من الإصلاح الضريبي ولكن فوجئ المكلف بالضريبة ومراقب الدخل ودارس الضريبة ومدرس الضريبة بأن القانون لم يكن مدروسا بالشكل الذي يجب أن تدرس به القوانيين في أغلب دول العالم وربما بسبب عدم وجود أعضاء في مجلس الشعب يملكون المقدرات العلمية والمهنية على إصدار وفهم القوانين الضريبية ولذلك بدأت التعديلات السريعة وغير المدروسة فقد عدل القانون 24 تعديلا جوهريا بالقانون رقم 60 لعام 2004 ثم تعديلا جوهريا بإصدار القانون 41 لعام 2005 ثم القانون 51 لعام 2006 .
وأشار أن القانون 41 لعام 2005 قد نقل بعض الشركات المساهمة من ضريبة الأرباح الحقيقية إلى ضريبة الدخل المقطوع ( الجامعات الخاصة ) أي أصبحت هذه الشركات المساهمة الضخمة تحقق أرباحا كبيرة تعامل مثل أي محل صغير يبيع الفلافل ضريبيا وهذا غير موجود إلا لدينا في سورية وهنا طرح تساؤلا من المستفيد ومن المتضرر وقد تم التراجع بعد عدة سنوات عن الخطأ ..
خطأ كبير
وبحسب رأيه فإن وزارة المالية وقعت في خطأ كبير عندما فرضت ضريبة دخل على الأجور والرواتب بنسب تصاعدية تصل إلى 22% والآن أصبح أعلى معدل ضريبي 18% بدلا من 22% بينما تصل نسبة الضريبة على دخل بعض الشركات المساهمة 14% ، وبالتالي لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تكون الضرائب على دخل العامل أي على الرواتب والأجور أعلى من الضريبة على دخل العمل ورأس المال أي الربح كما لا يجوز المساواة الضريبية بين العامل وشركة مساهمة !!
ويرى أنه لابد من أن يكون هناك حد أدنى معفى ثابت لكل العاملين ولكن بنفس الوقت يجب أن يكون هناك حد أقصى متحرك لكل عامل على حدة أي تشخيص الضريبة وفقا لظروف المكلف الاجتماعية والشخصية والصحية وحتى الجغرافية وهذا ليس اختراعا بل مطبق في أغلب الدول العربية والأجنبية فمثلا يكون الحد الأدنى للعامل الأعزب 50000 ألف ليرة ويضاف 25 ألف ليرة عن الزوجة وعن كل طفل من الأطفال .
وقال :إن ما يسمى بالإصلاح الضريبي يسير بعكس الاتجاه فالاتجاه الصحيح هو التوحيد الضريبي وليس التفتيت الضريبي أي التوجه نحو الضريبة العامة الموحدة على الدخل ونحو المزيد من تجميع الدخول بوعاء .
مشكلات ضريبية
وأفرد مساحة للحديث عن مشكلات الإدارة الضريبية في سورية والتي تعاني من مشكلات عديدة نذكر منها عدم وجود إدارة كفوءة وخبيرة ومؤهلة لوضع التشريعات الضريبية الجديدة وتطبيقها بكل موضوعية وشفافية لتحصيل المبالغ الضريبية المكتومة والمتحققة في القطاع الخاص وعدم القدرة على اخضاع اقتصاد الظل أو الاقتصاد الموازي والذي يشكل كحد أدنى من الاقتصاد الوطني نسبة 40% من الناتج الإجمالي ( تقديرات قبل الأزمة ) والآن يقدر بأكثر من 80% ، إضافة إلى عدم وجود مراكز للارشاد الضريبي تقدم المشورة المجانية والنوعية للمكلفين ناهيك عن ضعف التنسيق بين الدوائر المالية والدوائر الحكومية ونقص التجهيزات اللازمة .
لا عدالة ضريبية
وطرح العدي تساؤلا مفاده هل هناك عدالة ضريبية في سورية ليجيب إن النظام الضريبي السوري الحالي يبتعد عن العدالة وهناك بعض المؤشرات التي تدل على ذلك منها أن الضرائب المباشرة يمكن أن تكون عادلة لأن المشرع يستطيع تعين المكلف الذي يدفعها أما الضرائب غير المباشرة فلا يمكن أن تكون عادلة لأن عبئها يقه في النهاية على مجهول لذلك نجد أن اللجوء إلى الضرائب غير المباشرة هو مؤشر لعدم رغبة وزارة المالية وقدرتها على فرض ضرائب مباشرة فـ 60% من الإيرادات الضريبية تأتي من الضرائب والرسوم غير المباشرة ، وهناك مؤشر “أخر يتمثل بفرض رسم الانفاق الاستهلاكي على الجميع من غني وفقير أي مساواة الفقير بالغني ضريبيا ناهيك عن عدم توافر الوعي والرغبة والقدرة والإرادة للحد من تفشي ظاهرة التهرب الضريبي الذي يقدر بمئات المليارات من الليرات وعدم معالجة أسبابة وأثاره المختلفة .
حلول مقترحة
وعن الحلول التي يمكن أن تساهم في حل أزمة النظام الضريبي المزمنة في سورية يقترح إلغاء نظام الضرائب النوعية الفاشل والمنتهي صلاحيته منذ عقود واستبداله بنظام ضريبي عصري كاستبدال الضريبة على الدخل بالضريبة العامة الموحدة على الدخل وضريبة المبيعات بدلا من ضريبة على الانفاق وفرض ضريبة على الثروة بمعدل 1% يكلف بها أصحاب الثروات التي تتجاوز قيمتها 500 مليون ليرة ولا يدخل في حساب الثروة الأموال المستثمرة في منشآت صناعية أو زراعية أو تجارية ، ويجب أن تكون معدلات الضريبة تصاعدية على الأشخاص ونسبية على الشركات كما يجب تخفيض المعدلات الضريبية على الرواتب والأجور والأخذ بمبدأ تشخيص الضريبة لتحقيق العدالة في التكليف إضافة إلى الغاء الإعفاءات الضريبية المتعلقة بتشجيع الاستثمار لثبوت عدم جداوها وضرورة وجود سياسة اقتصادية ومالية واضحة للدولة والحكومة وإصدار تشريعات مرنة قابلة للتطبيق والاستفادة من الأبحاث العلمية في كلية الاقتصاد والتعاون المثمر بين الجامعة والجهات الحكومية