ترجمة – غادة سلامة:
يكتب الغرب سيناريو حول علاقاته مع الصين مليئة بالتضليل مثل روايات أجاثا كريستي.
ففي الأشهر الأخيرة، سارع المسؤولون الأميركيون والأوروبيون إلى بكين لإجراء ما يسمى بالمحادثات، كما لو كان العام 1972 وريتشارد نيكسون في البيت الأبيض.
ولكن هذه المرة لن يكون هناك اتفاق دراماتيكي محدد بين الولايات المتحدة والصين. وإذا تغيرت العلاقات، فسوف تتجه نحو الأسوأ بشكل حاسم.
لقد تجلت سياسة الغرب ذات الوجهين في التعامل مع الصين بشكل صارخ في الأسبوع الماضي من خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي إلى بكين، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها مسؤول بريطاني كبير منذ خمس سنوات.
وبينما تحدث كليفرلي بشكل غامض بعد ذلك عن أهمية عدم “فك الارتباط” مع الصين وتجنب “عدم الثقة والأخطاء”، بذل البرلمان البريطاني قصارى جهده لتقويض رسالته.
وأصدرت لجنة الشؤون الخارجية تقريراً عن سياسة المملكة المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والذي وصف الصين بشكل استفزازي بأنها “تهديد للمملكة المتحدة ومصالحها”، وحثت اللجنة الحكومة البريطانية على الضغط على حلفائها في الناتو لفرض عقوبات على الصين.
وليس هناك أدنى شك في أن واشنطن هي القوة المحركة وراء هذا التصعيد ضد الصين، الدولة التي لا تشكل أي تهديد عسكري واضح للغرب. لقد صعّدت الولايات المتحدة من المخاطر بشكل كبير وعن قصد، كي تجعل وجودها العسكري محسوساً بشكل أكثر قوة في مضيق تايوان وما حوله، الممر المائي الذي يبلغ عرضه 100 ميل والذي يفصل الصين عن تايوان والذي تعتبره بكين عتبة بابها.
وكان كبار المسؤولين الأميركيين يقومون بزيارات صاخبة إلى تايوان، وخاصة نانسي بيلوسي في الصيف الماضي، عندما كانت رئيسة مجلس النواب. وفي الوقت نفسه، تمطر إدارة بايدن تايوان بأنظمة الأسلحة .
وإذا لم يكن هذا كافياً لتأجيج الصين، فإن واشنطن تعمل على جر جيران بكين بشكل أعمق إلى تحالفات عسكرية، مثل أوكوس والكواد .
وفي الخطوة الأخيرة، التي تم الكشف عنها الأسبوع الماضي، تجري الولايات المتحدة محادثات مع مانيلا لبناء ميناء بحري في جزر الفلبين الواقعة في أقصى شمال الفلبين، على بعد 125 ميلاً من تايوان، مما يعزز وصول الولايات المتحدة إلى الجزر ذات الموقع الاستراتيجي التي تواجه تايوان.
وستكون هذه هي القاعدة الفلبينية التاسعة التي يستخدمها الجيش الأمريكي، وهي جزء من شبكة تضم نحو 450 قاعدة تعمل في جنوب المحيط الهادئ.
ماذا يحصل؟ فهل بريطانيا – إلى جانب حلفائها في حلف شمال الأطلسي – وهي غير مهتمة ببناء قدر أكبر من الثقة مع بكين، كما يزعم كليفرلي، وهي تدعم مناورات واشنطن التصعيدية ضد الصين المسلحة نووياً على منطقة صغيرة على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، كما يشير البرلمان البريطاني؟.
في الحقيقة إن الزعماء الأوروبيين ممزقين. وهم يخشون فقدان القدرة على الوصول إلى السلع والأسواق الصينية، مما قد يؤدي إلى إغراق اقتصاداتهم بشكل أعمق في الركود بعد أزمة تكاليف المعيشة التي عجلت بها حرب أوكرانيا. لكن معظمهم يخافون أكثر من إثارة غضب واشنطن، العازمة على استفزاز الصين.
وقد سلط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الضوء على هذا الانقسام بعد زيارة للصين في نيسان الماضي، عندما حث على “الاستقلال الاستراتيجي” لأوروبا تجاه بكين .
وباستخدام حلف شمال الأطلسي كصاحب، فإن واشنطن عازمة على إبقاء العالم أحادي القطب بأي ثمن. وهي في حاجة ماسة إلى الحفاظ على قوتها العسكرية والاقتصادية العالمية والإمبريالية، حتى مع تلاشي نجمها. وفي مثل هذه الظروف، تصبح خيارات أوروبا للحكم الذاتي على غرار ماكرون غير موجودة.
المصدر – انفورمشين كليرنغ هاوس