الثورة – رفاه الدروبي:
الحبُّ لا يمكن وصفه في كلمات وعبارات لكن نعيشه قصصاً شتى لأنَّه لا يشيخ أو يتوارى في الفضاء الفسيح وترياق الحياة، يعيش به الإنسان من كلِّ ضيق، والحب الحقيقي يتجاوز الأعراف ويتخذ سلوكاً حضارياً فيكون حبُّ الوطن واجباً على من نهل من خيراته واعتزَّ بالانتماء إليه.
الأفكار السابقة وردت في ندوة عنوانها “كلمات في الحب.. حبّ الوطن” قدمتها الكاتبة إيمان النايف والمخرجة إلهام سلطان في ثقافي أبي رمانة.
العطاء سر النجاح
رأت الكاتبة النايف أنَّ الحب في اللغة وفق ابن منظور يتركز على خمسة مفاهيم، إنَّها: البياض والصفاء والعلو والظهور واللزوم والثأر، وله ٦٠ كلمة مرادفة في اللغة العربية، وإنَّ ما نظمه الشعراء والمبدعون من صور رائعة عنه في الغزل صدرت عن إنسان له روحه وعواطفه المحبة وطوَّرت فيه الإبداع والشجاعة.
فالمحبة أكبر قوة موجودة على الإطلاق، لا حدود لها والعالم يتعامل معك بطرق يمكن توقُّعها تقريباً وأن تكون شخصاً معطاء بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، وما تُقدِّمه من جوانب، وأن تمنح الأفكار والانتباه والرعاية والتركيز والطاقة للأسرة والرفاق والجيران، وتفهم العطاء ليس أسلوب مقايضة ولا استراتيجية لتحقيق التقدم أو هدفا أو غاية ولكن كوسيلة مرضية للحياة في حدِّ ذاته لأنَّ العطاء سر النجاح.
الوطن انتماء
كما بيَّنت المخرجة إلهام سلطان بأنَّ الحب يكون للوطن فالوطن وهج شقائق النعمان، عطر ذكريات تعرّش في الروح ياسمينة، تذوب ذواتنا في كأسه.. بسكون رماده لحن وصرخة عبق الفينيق، وهدية معنى ووجود، بدونه لا وجود، ثمَّ تابعت حديثها عن الشعراء وتناولهم للوطن وعشقه فبدأت بالشاعر الكبير نزار قباني وحبه لأسرته وبيته وحيِّه، وكانت دمشق معشوقته فيبدأ التكوين وينتهي بها. إنَّها أمُّ الحضارات والأبجدية والموسيقا، ملعب الطفولة والزمان والمكان، لذا أنشدت لدمشق:
إنِّي أُحبُّكِ كي أبقى على صلةٍ
باللهِ، بالأرضِ، بالتاريخِ، بالزمنِ
بالماءِ، بالزرعِ، بالأطفال إن ضحكوا
بالخبز، بالبحر، بالأصداف، بالسفنِ
بنجمة الليل، تُهديني أساورها
بالشِعْر أسكنهُ، والجرح يسكنني
أنتِ البلادُ التي تُعطي هويّتَها
من لا يحبكِ .. يبقى دونما وطنِ..
ويؤكِّد الشاعر القباني بأنَّ الوطن هويتنا يخرج من جيوبنا فراشة صيفية من شفاهنا. عريشة شامية من قمصاننا. مآذن بلابل وجدائل قرنفل وسفرجل. عصفورة مائية، ودمشق التاريخ المحملة بعبق الحضارات تسكن روحه ووجدانه وتسري في دمه، وبساتينها تزهر على راحتيه فأنشد:
هذي دمشق.. وهذي الكأس والراح
إني أحب… وبعـض الحـب ذباح
أنا الدمشقي.. لو شرحتم جسدي
لسـال منه عناقيـدٌ.. وتفـاح
ولو فتحـتم شراييني بمديتكـم
سمعتم في دمي أصوات من راحوا
زراعة القلب.. تشفي بعض من عشقوا
وما لقلـبي –إذا أحببـت جـراح
مآذن الشـام تبكـي إذ تعانقـني
وللمـآذن.. كالأشجار.. أرواح
صرخة تتشظى
وانتقلت السلطان إلى الشاعر الكبير سليمان العيسى، فكان الوطن مسكوناً في وجدانه وأعماقه صرخة تتشظى، من لواء اسكندرونة جذوره. هناك حيث ذكرياته تحت شجرة التوت وأحلامه ينهل منها فكره العروبي، والأرض والوطن تاريخه وحضارته وهويته. أنشد في قصيدة حكاية الأزل:
عَبَقُ التاريخ .. يا أمَّ السَّنا!
أمْ نداءُ الشعرِ .. أمْ أنتِ لديَّا؟
أيُّ خمرٍ ؟ كُلَّما مُدَّت يَدي
صعَقَتْني الكأسُ، فارتَدَّتْ إليَّا
أيُّ سرٍ أنتِ؟ ننهَدُّ على
شاطئ السحرِ .. ويبقى أزَلِيَّا
أيُّ أُنشودةِ مجدٍ .. أرْضَعَتْ
مولدَ الدهرِ سناها العربيا!
آه .. يا شامُ ! تَعِبْنا كلُّنا
ومضى لَغْزُكِ جبَّاراً عَصِيَّا
كُلُّنا دونَكِ زَوَّقْنا الرُّؤى
وعشِقْنا .. وتَغَزَّلْنا مَلِيَّا
عادات وتقاليد
ثم انتقلت خلال الندوة إلى الشاعر عبد الكريم الكرمي “أبو سلمى” وحبه لبلده فلسطين أرض الرسالات والبوصلة وبقدر تعافيها ستتعافى الأمة العربية والإنسانية جمعاء، لافتة إلى الأديبة غادة السمان وتوثيقها للعادات والتقاليد في رواية تضمَّنت “فسيفساء دمشق” مع إلفت الإدلبي وروايتها “يا بسمة الحزن” منتقلةً إلى الكاتبة ناديا خوست حيث وثَّقت في روايتها “الحب والسلام” مشاعر العشق لحارات دمشق وشوارعها، فاتحةً أبواب الحبِّ والإلفة.