الثورة – ترجمة غادة سلامة:
آلام الجوع تملأ الهواء البائس بينما تندمج مع رائحة الموت المنبعثة من الجثث التي ترقد تحت الأنقاض في ليلة الشتاء الرمادية الباردة في غزة. الرجال والنساء والأطفال.. الجميع يخرجون على وعد بالطعام.
لقد نجوا من خلال أكل العشب وشرب مياه الصرف الصحي ليبقوا على قيد الحياة. يستخدم المستعمرون الطعام كطعم ثم يطلقون النار عليهم. طلقات البندقية. صرخات الرعب والموت. ينزف الدم من الجثث الجائعة التي لم تأكل منذ أسبوع أو أكثر. وتتناثر مئة وثماني عشرة جثة على الشاطئ. يخلط لون الدم الأحمر مع الدقيق الأبيض. لون الإبادة الجماعية. الأمواج تردد لعنة. إنها مذبحة. مذبحة الطحين. وفي خضم كل ذلك، لا يزال الفلسطينيون يبحثون عن الطعام رغم الرصاص والوجود السام لقوات الاحتلال الإسرائيلي.
إلى أي مدى يجب أن تكون جائعاً لمحاولة تفادي الرصاص من أجل الحصول على بعض الطعام؟.
يقول المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في غزة إن قوات الاحتلال الإسرائيلي فتحت النار عمداً على حشد من الأشخاص الذين كانوا يكافحون للحصول على الطعام.
لماذا صدم العالم بمذبحة الطحين في حين أن “إسرائيل” حصلت على ترخيص لقتل وتشويه وتجويع وذبح الفلسطينيين؟. لقد قالها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ إن جميع الفلسطينيين أهداف مشروعة. وأصر وزير الدفاع يوآف غالانت على أنه “لن يدخل الماء ولا الكهرباء ولا الغذاء” إلى غزة. “كل شيء مغلق.”
لقد أوضح القادة الصهاينة نيتهم للإبادة الجماعية، ورقصت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحكومات غربية أخرى، فضلاً عن وسائل الإعلام الغربية الرئيسية، على النغمة الإسرائيلية. لقد قصفت “إسرائيل” المستشفيات، وهو ما كان ينبغي أن يكون خطاً أحمر.
لكن كلا، فقد وفر حلفاء “إسرائيل” الغربيون الغطاء للاحتلال ودافعوا عن وحشيتها وقصفت “إسرائيل” المناطق السكنية وسيارات الإسعاف والمساجد والكنائس والمتاحف والمراكز الثقافية. عبرت خطاً أحمر آخر؟ على ما يبدو لا يوجد خط أحمر في ظل الدعم الأمريكي. لقد استهدفت “إسرائيل” وقتلت النساء والأطفال. ولا يوجد لديها أي خط أحمر لأن واشنطن والغرب أباحا لها ذلك وأيداها ودعماها.
ووفقاً لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، فقد قتلت “إسرائيل” ما لا يقل عن 25 ألف امرأة وطفل، لكن هذا لم يكن كافياً على ما يبدو للولايات المتحدة كي توافق على قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بدل استعمال حق النقض الفتيو والتصويت ضد القرار. وهذا بالطبع يسمح لإسرائيل بالتصرف دون عقاب.