د. جورج جبور:
رحم الله الأستاذ اديب اللجمي الذي درسني في قسم الفلسفة بجامعة دمشق أواخر خمسينات القرن الماضي، حين عدت إلى الوطن كان أحد من زرتهم في مكتبه المطل على الشارع العام بوزارة الثقافة.
هو آنذاك رئيس تحرير مجلة المعرفة، وهو محفز كما على رئيس التحرير أن يكون: “متى ستوافينا بما ننشره لك؟”.
وقعت على كتاب بالإنجليزية لمؤلف بولوني عن العلاقة بين ألمانيا و”إسرائيل”، اخترت منه صفحات ترجمتها فما لبثت أن ظهرت في مجلة المعرفة، مجلة سورية الأولى آنذاك وإحدى أرصن المجلات الثقافية العربية.. رحمه الله الأستاذ اللجمي.
الأديبة الموظفة اللبقة في سفارة بولونبا بدمشق تتابع بدقة الحياة الثقافية السورية، قرأت عن كتاب لمؤلف بولوني في مجلة المعرفة، أخبرت السفير بعد أسبوع أو اثنين كنت ضيف سفير دولة صديقة في مكتبه وهو يقدم لي كتاباً آخر للمفكر البولوني، تلك هي الأديبة مهاة، تتابع بدقة، تقدم بمودة، تأخذ مبادرة تواصل، وفي حسابها دائماً ما ينفع الوطن وما يُعلي شأنه.
لم أعرفها قبل تلك الصفحات المترجمة في المعرفة والتي قادتها إلى مهاتفتي، لكنها ما لبثت أن غدت من الأشخاص القلائل الذين اختارهم لأعلمهم بنشاط ثقافي أقوم به دون أن أشعر بحرج إن كانت إجابة الاتصال قد تكون الاعتذار المباشر.
وحدنا في مناسبة كتاب عن ألمانيا و”إسرائيل” أي عن صانعة الأحداث فلسطين، سرعان ما جمعنا فلسطين ثانية، معاً كنا على طائرة واحدة ضمت الأب إلياس زحلاوي أطال الله عمره والأستاذ أنطون المقدسي رحمه الله، وغيرهما، كثيرون متوجهون ضمن فعالية تنظمها مجموعة “مسيحيون من أجل فلسطين” إلى كانتربري في انجلترا، نحاول على أرضية مسيحية نزع ما أحيط به “وعد بلفور” من ظلال دينية.
مهاة الخوري تفاخر بأبيها مدرس العربية، تتكلم ولا تلحن، تفهم ما كتب بلغةٍ عربيةٍ صعبة متكلفة يود أصحابها البرهنة على تمكنهم لكنها تتحدث بمفردات محببة إلى القلب لا تكلف فيها، كأنها في أعماقها كانت تشعر بقوة وفخامة الكلمة العفوية الصادقة البسيطة.
اختيرت الكنيسة “المريمية” ليكون فيها القداس الذي يسبق استقبال أمنا الأرض لنا، جلست في ذلك المكان الوقور أستمع إلى رثاء سيادة المطران موسى الخوري، زميلي في مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية، تحدث عن فلسطين ومهاة، عن حب مهاة للعربية، من خلال ذلك الحفل الوداعي المهيب في تواضعه المتألق ازداد تعمقي في ما قاله عن “المريمية” مفكر عربي جليل واصفاً ما شهدته عام 1897، “فيها كان أول إنجاز فعلي للقومية العربية”.