جولة في زواريب الثقافة – “الحلقة ٣”جهات متعدّدةٌ أساءت إليها.. د. شوقي المعري يُطالب بإعادة مادّة اللغة العربية لغير المختصين
الثورة – حوار هلال عون:
في حديث سابق معه تحدّث عن رغبته بإعادة مادّة اللغة العربية إلى الكليات والأقسام الجامعية التي كانت معتمدة فيها، ولكن مع بعض التعديلات على مضمون المادة. كما تحدّث عن إساءات حصلت بحق المادة والطالب من جهات عدة..
في هذا الحوار نتابع أهم تلك التفاصيل مع الدكتور شوقي المعري:
تجربتي معها طويلة
– لماذا طالبت بإعادة تدريس هذه المادة؟ فهل عندك تجربة معها؟ وهل درَّستها؟
= سأجيب خلال الكلام عن سبب مطالبتي.. وتجربتي معها طويلة، وأنا ممن درّس هذه المادة في عدد من الكليات والمعاهد والأقسام في جامعة دمشق، ووقفت على كل ما اعتراها عن كثب، وما اعتراها كثير جداً أصاب المجتمع كله بتفاوت بين الطالب والجامعة والكِتاب والمدرس.
– لماذا صدر القرار بتدريس اللغة العربية في الجامعات والمعاهد، والطالب يدرس لغته من الصف الأول وقبله الحضانة حتى يُنهي مرحلته الثانوية أو أي صف وصل إليه، فهل عجز الطالب عن فهم هذه اللغة؟ وهل قصّر معلموه ومدرسوه في تعليمه اللغة؟
= ربما عجز الطالب والأستاذ معاً في فهم اللغة دراسة وتدريساً، كلنا يعلم أن هناك تفاوتاً بين الطلاب بحسب مدرسيهم وبحسب مدارسهم حتى ضمن المدينة الواحدة. وإلا ما الهدف من تدريس اللغة العربية؟.
لم تلقَ العناية المطلوبة
– وهل حققت الفائدة المرجوة منها؟
= لا لم تحقق.. قد تكون هذه المادة أكثر المواد إثارة للأسئلة والنقد؛ لأسباب كثيرة سأمر عليها بعد قليل، والسبب الأول هو أنها دخلت كل الجامعات والكليات والمعاهد؛ أي إنها غطت مساحة المجتمع السوري كله.
لقد كان هدف المادة أن يبقى الطالب محافظاً على ما تعلمه حتى الشهادة الثانوية، ويزيد معرفته بحسب اختصاصه، والجملة الأخيرة هي الأهم (بحسب اختصاصه) هذه الجملة التي لم تلق العناية المطلوبة من المدرسين، والمدرس هو المسؤول الأول والأخير عن فشلها؛ لأنه لم يقدم المادة كما قُرّر لها.
لقد أُلِّفَتْ كتب بحسب الاختصاصات التي يدرسها الطالب، وكان الجهد فيها واضحاً ومميزاً على الأقل بالمادة التي قدمتُها للطلاب، لكن معظم الزملاء أفشلوها، وكان مؤلفوها من أشهر الأساتذة الذين تضمهم جامعات البلد.
أسباب الفشل
– ما السبب في فشل هذه المادة أو لنقل التجربة؟
= إن هناك أسباباً كثيرة ومتشعبة، لكن السبب الأخطر الذي أفشل المادة كان ممن درّس المادة.
– من كان يُدرّس المادة؟
= كان تدريس المادة لمن يريد، اللهم إلا من أراد ولكن بشرط تكليفه تدريس المادة في كليات محددة، لغاية في نفس كل يعقوب، طلب تدريسها في واحدة من كليات الجامعة (المدللة) وأهمها كلية الحقوق، ثم الاقتصاد، ثم الصيدلة، ثم الهمك، ثم باقي الكليات.ومن كان يطلب التدريس في هذه الكليات، كان بحاجة إلى واسطة كبيرة، نعم واسطة من العيار الثقيل لأن حصاد المال لا العلم كان كبيراً.
ومن المتناقضات الأليمة أن قسم اللغة العربية لم يكن يجرؤ على إجبار أحد تدريس المادة، والدليل أن معظم أساتذة القسم لم يدرّسوا المادة، بل كانوا يعتبرونها تصغيراً من شأنهم، وكأن كل من درس المادة لا يستحق العلم، وكأن طالب اللغة العربية أعلى شأناً من طالب الطب أو الصيدلة وغيرهما.
وبالمقابل لم يكن هذا القسم يجرؤ على رفض أي طلب، ولو على الهاتف في تكليف أحد التابعين للمسؤول المتصل.
لذلك دخل التدريس مدرسون من خارج الملاك وهؤلاء كانوا الطامة الكبرى، كثيرون لا يحملون إلا الإجازة، فلنتخيل مدرساً لا يملك من العلم إلا ما درسه في الجامعة يدرّس طلاب جامعات.. قد لا يحتمله عقله، ولاسيما أنه مدعوم فسيحارب بسيف من دعمه، وسيفرح كثيراً عندما يخاطبه الطلاب بلقب “دكتور” فسيصدق نفسه، وسيلزمه هذا اللقب ويلصق به، والفضل هنا للطالب الذي يظن أن أي أستاذ يدرسه في الجامعة يحمل شهادة الدكتوراه. لذلك أساءت هذه الفئة كثيراً وفشا الفساد في كثير من الكليات، وبتنا نسمع قصصاً غريبة وعجيبة، ولكنها مشينة بحق من يحمل لقب معلم أو مدرس.
وأظن أن معظم المجتمع سمع وعاين الكثير من حالات الفساد التي أدت إلى المطالبة بإلغاء هذه المادة التي صارت عبئاً على الطالب وعلى الجامعات، فكان لهم ما أرادوا، ومسخت المادة وصارت تدرس في فصل هو الآخر ممسوخ.. فماذا سيقدم المدرّس في تدريس مادة في عدد من المحاضرات، ومعظم أيامنا عطل.
في الوقت المقتول
ومما أساء للمادة أن مواعيد المادة كانت في الوقت المقتول.. أي في الوقت الذي يستغني الطالب عن المادة والحضور كما فعلت كلية (الهمك) عندما كانت تضع المحاضرة بعد الظهر، بعد التدريب الجامعي.. ومعظم الطلاب هناك ذكور فلن تذهب فتاة لحضور درس اللغة العربية، وكذا من كان بالبدلة العسكرية تعب من عبئها فعاد إلى بيته.
لقد كان هناك دور كبير لعمداء الكليات العلمية في إلغاء المادة بعدما رأوا ما رأوا.
أطالب بإعادة المادة- وهل تتوقع أن يتحقق حلمك في إعادة تدريس المادة؟
= أنا أتمنى ذلك، نعم أطالب بإعادة المادة إلى الجامعات، ولكن بما يليق بها، وأن تتحقق بعض الشروط، أهمها:
أولاً: تأليف مناهج جديدة، ويمكن الاعتماد على ما أُلِّف في المرة الأولى مع تعديلات مناسبة.
ثانياً: إلزام كل أستاذ جامعي تدريس المادة في كلية ما.
ولا بأس من أن ينال أجر المادة، لأن من سيكلف من خارج الملاك سيقبض، ولكنه لن يكون أكثر حرصاً من الأستاذ الجامعي الذي لا يقبل الإساءة لاسمه ولا للمادة التي يدرسها، وأشك في تحقيق هذا الأمر.
ثالثاً: تُعامل الكليات، ولاسيما العلمية، تعاملاً يجعل الطالب يقبل المادة.
إنّ إعادة تدريس المادة يعني أننا أعدنا لها هيبتها التي كانت.. وعوضنا النقص الذي أصابها في المراحل قبل الجامعية.. وكلنا يعلم طريقة نجاح الطالب في اللغة العربية، صارت “قص لصق” و”كليشات” جاهزة وأساليب مكرورة تعتمد الحفظ الببغائي.
وإلى من سيقول: ألا يكفي الطالب أنه درسها اثنتي عشرة سنة؟ أقول: أوليس الطالب يدرس اللغة الأجنبية من التحضيري.. ويتبع دورات متتالية؟ فهل ما تعلمه من اللغة الأجنبية غير كاف؟ أعلم أن البعض سيقول: اللغة الأجنبية، وخاصة الإنكليزية عالمية وتفيد الطالب في المستقبل.. وأقول: اجعل لغتك عالمية ثم ابحث عن منزلة أخرى للغة أخرى.