توثيق شامل لتجربة شعرية فريدة.. “الأعمال الشعرية الكاملة” للشاعر عبد اللطيف خطاب

الثورة – أحمد صلال – باريس:

صدر عن دار جدار للثقافة والنشر بالإسكندرية- مالمو كتاب “الأعمال الشعرية الكاملة” للشاعر السوري عبد اللطيف خطاب، ضمن سلسلة جدار للأعمال الشعرية الكاملة لشعراء قصيدة النثر العربية الذين قدموا منجزاً يحظى بالأهمية.

يتضمن الكتاب منجز خطاب الشعري الممتد لأكثر من ربع قرن، من عام 1980 حتى وفاته عام 2006.. يأتي هذا الإصدار ضمن مشروع جدار لنشر الأدب العربي بصيغتيه الورقية والرقمية، بوصفه توثيقاً شاملاً لتجربة شعرية فريدة تجاوزت الأطر التقليدية والحديثة للشعر العربي.

يمثل هذا العمل ما يمكن اعتباره “الفتح الأول بعلامة كاملة في الشعر العربي”، إذ يعيد خطاب مساءلة الصور الذهنية المتوارثة ويعيد كتابة السردية التاريخية من منظور مغاير.

تتسم نصوصه بجرأة فكرية وشكلية، إذ يتقاطع فيها المقدس مع الدنيوي، وتتبدّل فيها الصور الشعرية رأساً على عقب، في سعي محموم نحو أفق مختلف عن الخطاب المكرّس.

يستفيد خطاب في تجربته من المنهج الظاهراتي لإدموند هوسرل، مُعلّقاً الحكم على الموروث الشعري، كما يوظف نظرية “عبر اللسان” لباختين لتقديم لغة جديدة تتجاوز ثنائية الشكل والمضمون، في قصائده، يحضر الجنون بوصفه فعل تحرّر ومقاومة، وتتداخل ثيمات التاريخ والهوية والوعي الإنساني، في نصوص تنفتح على احتمالات المعنى وتدعو القارئ إلى المشاركة في بنائها.

يضم الكتاب الديوانين الصادرين للشاعر، “زول أمير شرقي”، و”الغرنوق الدنف”، الذي يشمل قصائد “الغرنوق الدنف”، و”سفر الرمل”، و”أور: زقورات الحماد”، إضافة إلى “ترجمان النوم”، و”جثتي هيّابةٌ”، و”هايكو صحارى الجنون”.

كما يحتوي على هوامش وشروحات للمفردات والتعابير المحلية والإشارات التاريخية والدينية التي تضيء النصوص وتعمّق قراءتها.

الجدير بالذكر أن دار جدار تعتمد آلية نشر مزدوجة ومبتكرة في العالم العربي، من خلال توزيع نسخ رقمية مجانية من إصداراتها مطابقة للنسخ الورقية، والمتاحة عبر منصة “لولو بريس” للطباعة عند الطلب.

ويُذكر أن خطّاب ولد عام 1959 في قرية على ضفاف البليخ من محافظة الرقة التي على الفرات كما كان يوقع قصائده، درس الاقتصاد في جامعة حلب، وساهم في تأسيس “ملتقى جامعة حلب الأدبي”، ثم نشر عام 1990 ديوانه الأول “زول أمير شرقي”، قبل أن يرحل في دمشق إثر خطأ طبي عام 2006.

قدم الأعمال الكاملة لخطاب الشاعر والناقد السعودي حامد بن عقيل، الذي قرأ تجربة خطّاب على أنها اختراق للجنس الشعري التقليدي، مشيراً إلى أن خطّاب أسّس لعالم شعري جديد يتجاوز تراكمات خمسة عشر قرناً من الشعر العربي.

يعيد هذا الإصدار إحياء خطاب الشاعر الذي عُدّ صوته مغايراً في قصيدة النثر العربية، إذ يتسم شعره ببعد فلسفي ولغة مركَّزة، ويعكس رحلة شاعر تحدّى المرض والموت بسخرية متألقة وأمل متجدد.

طريح الكتابة

يفتتح الشاعر هذه القصيدة بمزاج سوداوي يحمل مفارقة وجودية، إذ تتحوّل الكتابة إلى عبء، لا إلى خلاص، القصيدة مشغولة بتفكيك العلاقة بين اللغة والذات، وتُظهر هشاشة الكينونة حين تفترسها العبارة.

الكتابة هنا ليست تعبيراً بل نزفٌ، والمفردة تحوّلت إلى رصاصة.

الإمبراطور.. تجسّد هذه القصيدة رؤية رمزية للسلطة بوصفها جسداً مريضاً يتظاهر بالقوة.

الإمبراطور ليس سوى ظلّ سلالته، يمشي على عروش متهالكة، في خلفية المشهد، يتسلل الهامش والمقموع ليحوّل القصيدة إلى مرثية للملوك والأباطرة والطغاة.

العشائر.. تعبر هذه القصيدة عن تماس الشاعر مع البنية الجمعية التي تمثلها العشيرة بوصفها قيداً على الفردانية والتأمل الحر، تتقاطع القصيدة بين الحنين والرفض، إذ يُستحضر الماضي العشائري لا لتمجيده، بل لفحص أثره على الذات المُتململة، لغة القصيدة تفكّك أساطير الانتماء وتُبرز وعياً وجودياً يُدين البنى التي تعيد إنتاج الطاعة والانغلاق.

الظعن.. تستعيد القصيدة التيمة البدوية، لكن من منظور وجوديّ لا فولكلوري، الرحيل هنا لا يشير فقط إلى التنقل، بل إلى تقشّف الذاكرة وخسارة المكان، القصيدة غارقة في الرمل، فالهويّة مرهونة بالخيمة والرياح، والرحلة بلا أمل في الوصول.

مجده الغابر.. قصيدة تقيم عزاءً ساخراً لماضٍ مُتَخيّل، يعيد الشاعر النظر في “المجد”، بوصفه كذبة كبرى، تتحلّل في الحاضر.

يطعن بلغة ملحمية زائفة، في نقدٍ لثقافة التبجيل والتقديس.

الأعراب.. تقدّم القصيدة رؤية نقدية جريئة لتمثلات البداوة في المخيال الجمعي، الشاعر لا ينظر إلى الأعرابي كرمز رومانسي للنقاء أو الحرية، بل يتأمله كنتاج لعزلة حضارية ولغة شاقة مغلقة، تفكك القصيدة فكرة “الصفاء البدوي” وتعيد بناء الصورة بمفردات حادة، تنقل التوحّش الكامن في الخلفية الثقافية..

إنها قصيدة صدام بين التمدّن والخطاب الأسطوري الذي يحتفي بالبادية من دون مساءلة.

جمل الواسطي.. تنبني القصيدة على تقاطع بين الموروث البغدادي والوجود الممزق للذات، تتخذ من “الواسطي” رمزاً وهو الذي كان يرسم المنمنمات وله رسومات للجمل التي اتخذها الشاعر حاملاً، لكنها تنقلب تدريجياً إلى مأساة الفنان الذي لم تُمنح له سوى الحافات.

سفر الرمل.. تأمل طويل في الفقد، والرغبة في التلاشي داخل الطبيعة، الرمل ليس سطحاً، بل وعاء زمنيّ يبتلع كل شيء، والشّاعر يحاول الكتابة عليه وهو يعلم أنه سيندثر، تقوم هذه القصيدة على استحضار الرمل كعنصر رمزي يحمل الزمن والمحو والتبدّد، الشاعر يستبطن تجربة الفقد، حيث يتحوّل الرمل إلى دفتر سفر تُسجَّل عليه التحوّلات والخيبات، ثم تمحوها الريح.

أور: زقورات الحماد.. في هذا النص، يعود الشاعر إلى “أور”، المدينة السومرية، ليبني من أنقاضها رؤية معاصرة تنهض على الأسطورة والخراب، الزقورات هنا ليست آثاراً، بل جراح في الذاكرة الجمعية، يخلط النص بين السرد الميثولوجي والتفكيك المعرفي، ليعبّر عن انقطاع التاريخ وحنين الشاعر إلى ما لا يمكن استعادته.

ترجمان النوم.. يكتب خطّاب هنا نصاً غامضاً، يمتزج فيه الحلم بالواقع، والرؤية بالهذيان، النوم ليس راحة، بل عبور نحو طبقات اللاوعي، حيث تُعاد صياغة العالم بلغة مُلتبسة، متحوّلة، “ترجمان النوم” يصبح صوتاً داخلياً يفسّر أو يحرّف، ويُعيد ترتيب الأحاسيس بما يليق بعالم مهتزّ.

هايكو صحارى الجنون.. نصوص قصيرة، مكثفة، ذات طابع صوفي مفرط في التجرّد، تعتمد المفارقة والدهشة كأسلوب شعري، تفتح القصائد نوافذ على صحراء روحية، فيها الجفاف جمال، والجنون حكمة.

جثتي هيّابة.. نص غير مكتمل، تتقاطع فيه السخرية السوداء مع تأملات في معنى الموت، والدفن، والجسد كعبء اجتماعي، يعكس هذا النص خيالا سردياً مرعباً وساخراً في آن.

يُشكّل صدور الأعمال الشعرية الكاملة لعبد اللطيف خطاب الذي يكنى بالغرنوق، عودة قوية لصوت شعري مميز، غاب طويلاً، لكنه اليوم يحضر ببلاغة ما بعد الفقد، وبقصائد تُقيم في منطقة التماس بين الفلسفة واللغة، وبين الجسد والهاوية، وبين السخرية والوجع.

وفي محاولة لتحليل نصوص ديوان “الغرنوق الدنف” يمكن الكتابة عن هذه النصوص التي جاءت كآخر نتاجه الشعري وضمها هذا الديوان.

آخر الأخبار
الدفاع المدني في اللاذقية يسيطر على حرائق عدة بالمحافظة غرفتا الصناعة والتجارة في حلب تبحثان آفاق التعاون وتوحيد الجهود لخدمة الاقتصاد المحلي  د.نهاد حيدر ل"الثورة".. طباعة عملة جديدة يحتاج لإجراءات إصلاحية  ينعش آمال الأهالي ببيئة أنقى.. قرار بوقف "الحرّاقات" في عين العبيد بريف جرابلس  ضبط تعديات على خطوط ضخ المياه بريف القنيطرة الجنوبي تراجع ملحوظ  في إنتاجية العنب بدرعا.. وتقديرات بإنتاج 7 آلاف طن   وزير الاقتصاد يبحث في حلب مع وفد تركي فرص التعاون والتطوير العقاري حلب تستضيف الندوة التعريفية الأولى لمشروع "الكهرباء الطارئ" في سوري الإنسان أولاً.. الصحة تطلق مشاريع نوعية في ذكرى استشهاد محمد أمين حصروني بحث عودة جامعة الاتحاد الخاصة وتسجيل طلاب جدد التحالف السوري- الأميركي يدعو الكونغرس لرفع كامل العقوبات عن سوريا لتراجع إنتاجيته .. مزارعو عنب درعا يستبدلونها بمحاصيل أخرى تركة ثقيلة وخطوات إصلاحه بطيئة.. المصارف الحكومية تراجع دورها ومهامها استئناف العمل بمبنى كلية الهندسة التقنية في جامعة طرطوس فرص استثمارية ودعم للمبدعين.. "التجارة الداخلية" في جناح متكامل بمعرض دمشق الدولي "الجريمة الإلكترونية والابتزاز الإلكتروني".. التركيز على دور الأسرة في مراقبة الأبناء وتوجيههم إزالة 22 تجاوزاً على مياه الشرب في درعا سبعة أجنحة للاتحاد العام للفلاحين بمعرض دمشق الدولي.. غزوان الوزير لـ "الثورة": منصة تلقي الضوء عل... " سوريا تستقبل العالم " .. العد التنازلي بدأ.. لمسات أخيرة تليق بدورة معرض دمشق الدولي    ترامب يهدد مجددا بفرض عقوبات على روسيا