الثورة – رانيا حكمت صقر:
احتضن المركز الثقافي في المزة اليوم حفل توقيع رواية “مدينة يسكنها الجنون” للكاتب السوري محمد تركي دعفيس، الحائزة على جائزة كتارا للرواية، والتي سرد فيها الكاتب صورة معبرة عن مدينة منسية تعيش صراعات داخلية متشابكة بين الواقع والجنون، عبر لغة شعرية رصينة ورسائل إنسانية عميقة. الرواية التي تدور أحداثها في ستينيات القرن الماضي، فتحت نافذة جديدة على عالم الإبداع الروائي السوري، لتلقي الضوء على الأزمة والفساد والبحث عن العدالة في مجتمع يبدو وكأنه محاصر بين التكرار والجمود.
كان مساء حافلاً بالحضور الأدبي، استهل الكاتب والروائي محمد تركي دعفيس حفل توقيع روايته “مدينة يسكنها الجنون” التي توصف بأنها واحدة من الأعمال المميزة التي تناولت موضوعات المدينة وأزماتها الاجتماعية والعقائدية. وقد فازت الرواية بجائزة كتارا للرواية لعام 2023، ما يؤكد على قيمتها الأدبية والموضوعية.
تدور الرواية في حدود عام 1945، في مدينة تبدو كأنها نموذج حي للجنون الذي قد ينتاب المدن المنسية، حيث يفر البعض، ويغرق البعض الآخر في دوامة من الفساد والانتقام.
تدور الأحداث حول ابن يبلغ من العمر 17 عاماً، يبدأ رحلة بحثه عن قاتل والده وسط مجتمع يسوده الإهمال والتجاهل، ليكشف من خلال ذلك عن صراعات الشخصية والتشابكات الاجتماعية التي تكتنف المدينة بأحداثها المتشابكة.
وتحدث دعفيس لصحيفة الثورة عن دافعه في كتابة الرواية مبيناً أنه كان دائماً يميل إلى تسليط الضوء على “المطحونين” في المجتمع، مشيراً إلى أن الرواية تطرح سؤالاً مهماً عن أسباب استمرار التهميش والإهمال، خاصة عندما تستولي الأجهزة الحكومية على طاقات المدينة، فينتج عن ذلك حالة من الملل والنمطية التي تدوم لعقود.
كما أوضحت الروائية إيمان شرباتي، التي أدارت جلسة التوقيع، أن الرواية تتميز بلغة جميلة ومتناسقة تحمل رسائل متعددة متكاملة تثير اهتمام القارئ ولا تترك مجالاً للملل، مشيدة بجمالية الأسلوب الذي استطاع دعفيس عبره نقل عمق الشخصية ورؤية الكاتب.
الناقدة الأدبية سمر تغلبي أشادت أيضاً بالرواية ووصفتها بأنها تعبر عن أزمة عامة يمكن احتواؤها في أي مدينة تعاني من الفساد والانهيار المجتمعي، مبينة أن الرواية جمعت بين عدة حكايات لأبطال يعكسون واقع مدينة منسية في عمق الريف، حيث يغادر المتعلمون قسراً تاركين مدينتهم تتراجع عشرات السنين، وسط منافسة بين المفسدين والصداقات القوية.
ولفتت إلى أن اللغة الشعرية والحوارات التي جاءت متفاوتة الطول تعزز من عمق السرد، رغم سيطرة السارد على مجريات الأحداث، ما يمنح الرواية قدرة شرحية دقيقة تكشف النوايا والدوافع، وإن كانت أحياناً تحرم القارئ من حرية التأويل.
الكاتب محمد تركي دعفيس، خريج كلية الحقوق، بدأ مسيرته في الصحافة منذ 1990 وعمل في جريدة “الوطن” السعودية لأكثر من عشرين عاماً. هو مؤلف خمس روايات تم تقسيمها إلى مجموعتين أساسيتين، وقد أمضى سنوات حياته بين السويد والسعودية، حاملاً شغف القراءة والكتابة والإعلام.
في ختام الحفل، أعرب الجميع عن إعجابهم بمستوى الرواية التي تعكس قوة الفكر وروعة التعبير، مؤكدين أن “مدينة يسكنها الجنون” ليست فقط قصة، بل تجربة ثقافية واجتماعية تفتح آفاق النقاش حول أزمات الحاضر وتأملات الإنسان في مجتمعه.