الثورة – متابعة – عبير علي:
بدفء الريشة وصدق الانتماء، حمل الفنان السوري علي نفنوف لوحته “زيزوف” إلى دبي اليوم، لتشارك ضمن معرض عالمي يحتفي بإرث الفنان الفرنسي “كلود مونيه”، مؤسس المدرسة الانطباعية، تحت عنوان “الضوء كما لم تره من قبل”.المعرض الذي تنظمه مكتبة محمد بن راشد، بمشاركة أكثر من 55 فناناً من مختلف دول وثقافات العالم، يضمّ فعاليات متعددة من عروض سينمائية ومحاضرات وندوات فكرية، ومعرضاً لأعمال مونيه، إلى جانب لوحات فنية حديثة تنبض بروح الانطباعية.
يقول الفنان علي نفنوف في حديثه لصحيفة الثورة عن مشاركته:”اللوحة التي شاركت بها تحمل عنوان ‘زيزوف’، وهي تجسد بقاء المرأة في سهل الغاب أو جباله، عندما التهمت النيران تلك الجبال، لكنها بقيت في بيتها الصغير، رافضة مغادرته. كانت نموذجاً للإنسان المتمسك بجذوره وأرضه، بالنسبة لي، هذه المرأة رمز للإنسان السوري الحقيقي، وأردت أن أوثق تلك اللحظة التاريخية بريشتي.”ويتابع نفنوف قائلاً:”رسمت اللوحة بأسلوب انطباعي مستلهم من مونيه، انطلاقاً من فكرة أن الإنسانية لغة عالمية لا تحدها حدود، كانت مشاركتي في هذا الحدث العالمي رسالة فنية تقول إن القصص الإنسانية يمكن أن تُروى بالريشة كما تُروى بالكلمة أو القصيدة.

نار وضوء
اللوحة، كما يصفها الفنان، تنتمي إلى عالم الذاكرة الريفية، حيث يلتقي إحساس العزلة بالدفء الإنساني في مشهد بسيط لكنه مشحون بالرمز والدلالة. يظهر في اللوحة بيت حجري قديم يقف وحيداً على مفترق طرق، كأنه شاهد على زمن مضى وترك خلفه قصصاً لم تكتمل.وفي يمين المشهد، شجرة باسقة تحتضن فتاة تجلس عند جذعها في لحظة تأمل أو حزن. الإنحناءة الهادئة لجسدها، ولون ثوبها الأحمر، يمنحان اللوحة بعداً عاطفياً عميقاً، كما لو أن الذاكرة تجلس على طرف الطريق تتأمل العالم وتستمع إلى صمت الحقول.
ويشرح نفنوف: “ألوان اللوحة كانت بالنسبة لي لغة ثانية. الأصفر في البيت والأرض يستحضر دفء الطفولة وضياء القرى القديمة، بينما الأخضر في الأشجار والتلال يعكس استمرار الحياة رغم الألم. أما السماء المشتعلة بمزيج من البرتقالي والأحمر، فهي لا تصف الطقس بل تصف الروح – روح الأرض التي قاومت الاحتراق. “ضوء في مواجهة الدخان بضربات فرشاة حرة وسريعة، تستحضر اللوحة روح “فان غوغ” في توترها الجمالي، حيث يتحول اللون إلى نبض والضوء إلى عاطفة.
يقول الفنان: “هذه اللوحة ليست عن مكان محدد، بل عن حالة إنسانية، هي بيت وحيد، وشجرة شاهدة، وفتاة تجلس بين الضوء والظل. هي لحظة لا تنتمي إلى الماضي ولا إلى الحاضر، بل إلى مساحة يسكنها الشوق والصمت. أردت أن أقول إن الذاكرة لا ترحل، إنها تجلس دائماً على الطريق تنتظر من يعود. ويضيف:”زيزوف هي ومضة لونية انبثقت رغم الدخان والحرائق لتقول إن البياض ما زال في الأفق، وإن القرار في النفوس، وإن الأرض أقوى من كل ما يحاول محوها.
رسالة إنسانية عالمية
يرى نفنوف أن الفن يمكن أن يكون ذاكرة الشعوب وضميرها، مؤكداً أن “الإنسانية ثقافة لا وطن لها”.”حين نقلت لوحة زيزوف إلى دبي، كنت أحمل قصة سورية صغيرة إلى فضاء إنساني واسع. أردت أن أقول إن الألم يمكن أن يتحول إلى ضوء، وإن الرماد يمكن أن يلد لوناً جديداً”.بهذه الروح، تضيء “زيزوف” أركان المعرض، لتقف شاهدة على التقاء الذاكرة السورية بملامح المدرسة الانطباعية الفرنسية، في مشهد فني يختصر رحلة الإنسان بين النار والضوء، وبين الحنين والبقاء.