الثورة – أحمد صلال- باريس:
تحت شعار «الديمقراطية في خطر.. كيف نعيد إحياءها؟»، تستضيف مدينة ستراسبورغ الفرنسية خلال الفترة من 5 إلى 7 نوفمبر 2025 أعمال المنتدى العالمي للديمقراطية في نسخته الثالثة عشرة، بتنظيم من مجلس أوروبا (Conseil de l’;Europe)، وبمشاركة واسعة من صناع القرار، والمفكرين، والناشطين من مختلف أنحاء العالم.
يُعد هذا المنتدى من أبرز المنصات الدولية للحوار حول مستقبل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحكم الرشيد، خاصة في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه المجتمعات الحديثة، بدءاً من الأزمات السياسية والاقتصادية وصولاً إلى التحديات التكنولوجية والبيئية.
وفي هذا السياق، تأتي المشاركة السورية لتؤكد أن سوريا والسوريين لم ولن يغيبوا عن المشهد العالمي، وأنهم جزء فاعل في النقاشات الفكرية والسياسية حول مستقبل الديمقراطية.
تمثل مشاركة السوريين في هذا الحدث رسالة أمل وإصرار على استعادة مكانة سوريا في الحوارات الدولية حول الحقوق والعدالة والمواطنة، وتقديم التجربة السورية كنموذج يعكس تحديات وتطلعات شعوب المنطقة نحو الحرية والكرامة.
إضافة إلى الجلسات الرئيسية في قصر أوروبا، يشمل المنتدى فعاليات ثقافية وفكرية في مدينة ستراسبورغ، مثل معارض الصور، والعروض السينمائية، والنقاشات العامة، بما في ذلك فعالية الذكرى 75 للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
إن المشاركة السورية في هذا الحدث الدولي ليست مجرد حضور رمزي، بل هي مساهمة فكرية وسياسية في النقاش العالمي حول سبل إنعاش الديمقراطية في عالم متغير.
إنها تأكيد على أن صوت السوريين لا يزال حاضراً في الدفاع عن قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، رغم كل التحديات.

أرضية مشتركة
الدكتورة فرح باسل أورفه لي، طبيبة أسنان وناشطة سورية، تحدثت لصحيفة الثورة على هامش المؤتمر، وقالت: “الشباب السوري عاشوا الصراع بكل أبعاده، وشهدوا كيف يمكن لغياب العدالة والحوار أن يؤدي إلى الانقسام والعنف، هذا جعلهم أكثر وعياً بضرورة التغيير الحقيقي القائم على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
وفي معرض سؤالها عن الدور الذي يمكن أن يلعبه الشباب السوري في إعادة بناء الثقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، أضافت: “بما أنهم جيل التجربة والمعاناة، فإنهم يحملون أيضاً رؤية جديدة للمستقبل قائمة على المصالحة والتنوع والمشاركة.”
وتكمل أورفه لي قائلة: “لقد تعلموا أن الحلول لا تأتي من الإقصاء أو القوة، بل من بناء الثقة، والاستماع للآخر، وإيجاد أرضية مشتركة”، وأضافت: “لذلك، فإن الشباب السوري قادر على أن يكون الجسر بين الماضي المؤلم والمستقبل الديمقراطي الذي يطمح إليه الجميع”.

السوريون فاعلون
“من ستراسبورغ، وجهنا رسالة باسم السوريين إلى العالم مفادها أن الشعب السوري، الذي ناضل من أجل حريته، لا يزال يؤمن بالعدالة والكرامة الإنسانية، وبقدرة السوريين على بناء وطن يستند إلى القانون لا إلى القوة”، يتحدث المحامي والباحث القانوني فراس حاج يحيى لصحيفة الثورة رداً على سؤال حول كيف يمكن للديمقراطية أن تستعيد معناها في مجتمعاتٍ أنهكتها الحروب والأزمات مثل المجتمع السوري؟
“لقد أثبتت التجربة السورية أن غياب الديمقراطية مأساة إنسانية تمس كل بيت، لذلك تتجه تطلعات السوريين نحو إحياء دولة عادلة تصون الحقوق والحريات وتستمد شرعيتها من إرادة الناس”.
ويختتم حديثه قائلاً: “مشاركتنا في المنتدى العالمي للديمقراطية تأكيد على أن السوريين فاعلون في النقاش العالمي حول الحكم الرشيد وحقوق الإنسان، وإصرار على الأمل بسوريا حرة وعادلة وديمقراطية.
الديمقراطية الثقافية
من جهتها، تقول أسيل آلوسي، باحثة اجتماعية وفاعلة في المجتمع المدني، للثورة: “إن المشاركة السورية في المنتديات الدولية ليست مجرد حضور رمزي، بل هي مساحة لاستعادة الصوت السوري الإنساني والمهني.
فكل لقاء وحوار يشكل فرصة لتعزيز كفاءاتنا، وتبادل خبراتنا، والانفتاح على تجارب الشعوب الأخرى، بما يفتح آفاقاً أرحب لبناء الإنسان والمجتمع والدولة”.
وفي معرض ردها على سؤال حول مدى قدرة المشاركة السورية في المنتديات الدولية على تصحيح الصورة النمطية عن سوريا والسوريين، أضافت: “من خلال هذه المشاركة، نحمل صورة سوريا كما نعرفها نحن، سوريا المتنوعة ثقافياً، والغنية بتعدد مكوناتها، والمؤمنة بقيم الديمقراطية والحوار والتنوع، بما في ذلك الديمقراطية الثقافية التي تقوم على احترام الاختلاف، وتقدير الإبداع، وتكامل المساهمات الإنسانية في صياغة هوية وطنية جامعة”.
وتختتم بالقول: “إننا نؤمن أن بناء الصورة الجديدة يبدأ من الحضور الواعي، والمشاركة الفاعلة، والإيمان العميق بأن الديمقراطية، بكل أبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية، هي أساس السلام والتقدم الإنساني”.
المجتمعات المحلية
من جانبه، يقول محمد صديق، الحاصل على دكتوراه في العلوم الاقتصادية ورئيس منظمة العدالة والتنمية المستدامة، للثورة: “إن استعادة معنى الديمقراطية في مجتمعات أنهكتها الحروب والأزمات، مثل المجتمع السوري، تتطلب مقاربة شاملة تتجاوز الشكل المؤسساتي للديمقراطية نحو جوهرها الإنساني والاجتماعي، فبعد سنوات من الصراع والانقسام، لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية دون معالجة جراح الماضي عبر مسار عدالة انتقالية يضمن الاعتراف بالضحايا، والمساءلة عن الجرائم، وبناء الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.”
وفي معرض إجابته على سؤال حول كيف يمكن للديمقراطية أن تستعيد معناها في مجتمعاتٍ أنهكتها الحروب والأزمات مثل المجتمع السوري، قال: “الديمقراطية في السياق السوري يجب أن تنطلق من القاعدة الاجتماعية، عبر تمكين المجتمعات المحلية من المشاركة في القرار وإدارة شؤونها، وإحياء دور منظمات المجتمع المدني كفضاء للتعبير والحوار والمبادرات المشتركة. كما أن تمكين الشباب والنساء يعد خطوة محورية لبناء عقد اجتماعي جديد أكثر شمولاً وعدلاً.”
ويضيف صديق: “إضافة إلى ذلك، ينبغي أن تُفهم الديمقراطية ليس فقط كنظام انتخابي، بل كثقافة تُمارس يوميًا في العلاقات، والإعلام، والتعليم، والمجال العام، بما يعيد ترميم قيم المواطنة والتعايش.” ويختتم حديثه بالقول: “إن استعادة معنى الديمقراطية في سوريا تتطلب زمناً وصبراً، لكنها تبدأ بخطوات صغيرة: تعزيز الثقة، واحترام الكرامة الإنسانية، وفتح مساحات للحوار الحر، لأن الديمقراطية الحقيقية لا تولد من صناديق الاقتراع فقط، بل من وعيٍ جمعي يعيد الأمل بقدرة الناس على تقرير مصيرهم.”