الثورة -هنادة سمير:
بعد سنوات من العزلة تؤكد سوريا عودتها إلى الساحة الدولية اليوم من خلال مشاركتها في مؤتمر المناخ الذي يُعقد في دولة البرازيل، إذ تأتي هذه المشاركة في وقتٍ حاسم من تاريخ البلاد، بعد تحريرها من النظام المخلوع، لتسلط الضوء على أولويات إعادة الإعمار، وخاصةً في مجال البيئة.
وبينما يعاني السوريون من تبعات الحرب، تبرز سوريا كداعم للجهود العالمية لحماية البيئة والمناخ، خصوصاً بعد تدمير العديد من الموارد الطبيعية التي كانت تشكل جزءاً أساسياً من الهوية البيئية للبلاد.

البيئة وممارسات النظام البائد
منذ بداية حكم النظام، بدأ التوسع العمراني العشوائي في العديد من المدن السورية، بما في ذلك دمشق، ما أسهم بشكل كبير في ارتفاع درجات الحرارة المحلية، إذ تشير الدراسات إلى أن التوسع في المدن وعدم وجود سياسات بيئية مستدامة قد زاد من التأثيرات السلبية على المناخ، بما في ذلك زيادة معدلات التلوث وارتفاع درجات الحرارة.
على سبيل المثال، تشير الأبحاث إلى أن مدينة دمشق شهدت ارتفاعاً في درجات الحرارة بنسبة تقارب 1.5 درجة مئوية خلال العقود الأخيرة، وهو ما يعكس تأثير النشاطات البشرية على المناخ المحلي.
وفي باقي المدن السورية كانت سياسة البناء العشوائي أبرز ملامح النظام البائد في معالجة أزمة الإسكان، إذ تم بناء العديد من المناطق السكنية بدون تخطيط بيئي، ما أسهم في زيادة التلوث وزيادة درجات الحرارة الحضرية بشكل كبير، فلم تقتصر آثار هذه السياسة على التضخم السكاني، بل أيضاً على تدمير الأراضي الزراعية والغطاء النباتي.
إحصاءات وأرقام حول التدمير البيئي الممنهج
وشكلت غوطة دمشق،التي كانت تعرف برئة دمشق الخضراء أحد أكبر الضحايا للتدمير البيئي، ففي ظل سياسات التوسع العمراني العشوائي، تم قطع مئات الآلاف من الأشجار المثمرة، لتحويل الأرض إلى مناطق سكنية وتجارية، هذا التدمير لم يؤثر فقط على البيئة الزراعية، بل زاد من تأثير الاحتباس الحراري من خلال تقليل قدرة الأرض على امتصاص الكربون.
ومع اندلاع الأعمال العسكرية، ازداد التدهور البيئي بشكل حاد بسبب القصف والتدمير المتعمد وغير المتعمد للاراضي الزراعية والبنى التحتية (محطات معالجة المياه ومياه الصرف والمرافق الصناعية) أدّى إلى تسرّب ملوّثات كيميائية ونفطية في التربة والمجاري المائية، إضافة إلى حرائق المنشآت النفطية والكيماوية واستهداف عدد من القرى والبلدات بالأسلحة الكيماوية ما أدى إلى تلوث التربة وجعل إعادة الاستخدام الزراعي خطراً.
كما أدت عمليات القصف إلى تشريد واسع للسكان، ما زاد من ضغط الاستغلال على الموارد في المناطق المستقبلة (قطع غابات، زراعة رعي غير مستدام)، وتراجع قدرة الدولة والمجالس المحلية والمنظمات على تنفيذ برامج حماية بيئية أو إصلاح أضرار.
أرقام وإحصاءات
تشير التقارير إلى أن نحو 40 بالمئة من الغطاء النباتي في سوريا دُمِّر خلال العقود الستة الماضية بسبب السياسات التي اتبعها النظام، وأدى التوسع العمراني العشوائي في دمشق والمدن الكبرى إلى إزالة أكثر من 250,000 هكتار من الأراضي الزراعية في الفترة من 1970 إلى 2011.
أما التأثيرات على المناخ المحلي، فبينت دراسة، أجرتها منظمة “الأمم المتحدة للبيئة” على بعض المناطق السورية، أن درجات الحرارة في دمشق ارتفعت بنسبة 1.5 درجة مئوية خلال العشرين عاماً الماضية.
خطوات استراتيجية للحفاظ على البيئة
الخبير الزراعي المهندس علي حسن أكد في حديثه “للثورة” على أهمية الحفاظ على الأشجار الكبيرة والمعمرة في تقليل تأثيرات التغير المناخي.
وقال: الأشجار الكبيرة والمعمرة تعد بمثابة مكيفات هوائية طبيعية فهي تساهم في تقليل درجات الحرارة، وتعمل على امتصاص الكربون، وتحسين جودة الهواء فكل شجرة كبيرة تعد جزءاً أساسياً في الحفاظ على مناخنا المحلي. وتحدث علي عن مجموعة خطوات استراتيجة للحفاظ على الغطاء النباتي والبيئة منها تشديد الرقابة على قطع الأشجار وفرض قوانين صارمة لمنع ذلك، وتطبيق عقوبات شديدة ضد أي محاولات لتدمير الغطاء النباتي.
ومن جهة اخرى حماية الغطاء النباتي من التوسع العمراني عن طريق تحديد المناطق الخضراء ومنع البناء فيها، وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة من خلال زراعة الأشجار والنباتات المحلية، كذلك سن شريعات بيئية وقوانين صارمة لحماية الغابات ومنع قطع الأشجار، ودعم المزارعين باستخدام محاصيل مقاومة للجفاف وتقنيات الري الحديثة.
وتساهم إعادة تدوير النفايات في تقليل التلوث من خلال تعزيز التوعية باهمية ذلك وتقليل استخدام المواد الكيميائية الضارة التي تؤثر على التربة والنباتات.ومن الخطوات أيضاً تشجيع الزراعة العضوية واستخدام تقنيات الري الحديثة مثل الري بالتنقيط والزراعة المائية لتوفير المياه وتقليل تأثير الجفاف والتوعية والمشاركة المجتمعية بتعزيز الوعي البيئي في المدارس والمجتمعات، وتفعيل المشاركة المجتمعية في حملات التشجير وحماية البيئة، إضافة لاستدامة حملات التشجير في المناطق الحضرية والريفية باستخدام نباتات محلية تتحمل الظروف المناخية القاسية، والتركيز على إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة والاستفادة من الدعم الدولي من المنظمات البيئية لتوفير التمويل والخبرة في مشاريع حماية البيئة وإعادة التشجير.
وفي مجال إدارة المياه تحسين إدارة الموارد المائية عبر تقنيات مثل تخزين مياه الأمطار واستخدامها في الزراعة لتوفير المياه بشكل مستدام.
وشدد الخبير على أن حماية البيئة في سوريا تتطلب تنسيقاً بين الجهات الحكومة كافةً، المنظمات البيئية، والمجتمع المحلي، مع استراتيجيات طويلة الأجل تركز على الاستدامة البيئية وحماية الموارد الطبيعية.