الثورة – سهيلة إسماعيل:
تتربع قلعة حمص على تلة ترابية في الجانب الغربي للمدينة، وتشرف على معظم أحيائها، تراقب عن كثب العابرين من حولها، ولو قُيض لها الكلام لقالت: “تعالوا إليً واقرؤوا التاريخ على حجارتي، فأنا هنا، لا أزال صامدة، شامخة كشموخ السنديان، لأكون دليلاً تاريخياً على عظمة مدينة حمص وتاريخها العريق.. أنا هنا وسأبقى ما بقي الزمن، أحنو عليكم كما يحنو مشتاق لمكان احتضنه منذ الصغر.. أشتاق لكم وأنا بينكم، فأحزن لحزنكم وأفرح لفرحكم”.
صحيح أن الكثير منكم لا يعرفون اسمي الحقيقي، هو ” قلعة أسامة بن منقذ”، ويعود بنائي إلى عهد الحمدانيين ، لكن ما يثلج صدري أن هناك موقفاً يحمل اسمي بجانب إشارة المرور حتى صار اسمها إشارة القلعة، وأنا لست قلعة واحدة، وإنما قلعتان هما القلعة الأيوبية المؤلفة من أبراج مربعة، أسوة بالمدن الملكية في تلك الحقبة، بناني المجاهد شيركوه بن محمد، كما هو مدون على إحدى حجارتي بين عامي ٥٩٤ و٥٩٩، والقلعة الحمدانية.
أرتفع عن الطريق العام ٣٢ متراً، وعن سطح البحر ٤٩٥ متراً، وكان لي دور دفاعي عن المدينة عبر التاريخ من خلال الخندق المحيط بي من الخارج، ويمتد من باب التركمان في الغرب إلى باب السباع في الجنوب، أرضه مفروشة بالحجر الأسود الذي يميز المدينة، التي وصفوها بـ “أم الحجارة السود”، وحزنت كثيراً لأن البعض تعدى على محيطي وردم الخندق.
منذ القدم كانت تسمى المساحة المحيطة بي “أرض البيدر”، إذ تُجمع المحاصيل الزراعية، ولأن كلمة بيدر تدل على مواسم الخير، فقد أصبحت فيما بعد ملاذاً لمن ضاقت بهم أحوال الدنيا، فبنوا بيوتاً بسيطة تأويهم بجواري.
كما كنت في غابر الأزمان مقراً لحكام حمص، وتعرضت حجارتي للسرقة، لكنني كنت وسأبقى معلماً من معالم حمص الأثرية، وأهميتي لا تقل عن أهمية آثار المدينة الأخرى، كتل النبي مندو، ومملكة قطنا، وقادش، وآثار المشرفة.