الثورة – إيمان زرزور
يحمل المشهد الذي جمع سجّاني صيدنايا السابقين ببعض ضحاياهم أمام الكاميرا دلالات عميقة، تمتد أبعد من مجرد إجراء أمني أو محاكمة جنائية، ليصبح صورة تختصر مساراً طويلاً من الظلم والمحاسبة المؤجلة.
إعلان وزارة الداخلية عن اعتقال عدد من السجّانين المتورطين في التعذيب والإعدامات داخل سجن صيدنايا، شكّل تطوراً لافتاً في مسار العدالة الانتقالية، الصورة التي ظهرت فيها وجوه المعتقلين السابقين وهم يواجهون جلاديهم، تعكس معنى عميقاً: أن زمن الإفلات من العقاب قد انتهى، وأن الألم الشخصي للضحايا يتحول إلى شهادة علنية تحاكم الجلادين أمام المجتمع.
لم يكن مجرد توقيف جنائي، بل خطوة تحمل بعداً إنسانياً بالغ الأهمية، إذ تعطي للضحايا وأسرهم إحساساً بأن رواياتهم لم تذهب أدراج الرياح، واعترافات السجّانين عن تنفيذ الإعدامات والاعتداءات الجنسية تؤكد حجم الفظائع التي وُصفت بـ”جرائم ضد الإنسانية”، وتسلّط الضوء على ضرورة توثيقها كجزء من ذاكرة وطنية وجماعية لا تُمحى.
الصورة التي وصفها وزير الداخلية أنس خطاب بأنها “كافية لإيصال رسالة لكل حرّ مظلوم”، تختصر معاني العدالة الانتقالية: مواجهة الماضي بكل قسوته، منح الضحايا صوتاً وحضوراً، وكسر الصمت الذي كان يحيط بمعتقلات اشتهرت بأنها “مصانع موت”.
وتكمن أهمية هذه اللحظة في قدرتها على إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة.
فمواجهة السجّانين أمام القضاء -وأمام الرأي العام- تبعث برسالة أن الدولة الجديدة لا تتسامح مع من ارتكب جرائم بحق السوريين، وأن العدالة ليست خياراً سياسياً بل مساراً لا رجعة فيه.
كما أنها توجه تحذيراً لكل من تورط في جرائم سابقة بأن زمن الحصانة انتهى.
رغم رمزيتها، تظل هذه الصورة بداية طريق طويل، إذ يتطلب ترسيخ العدالة إجراءات قضائية شفافة، ومحاكمات علنية تضمن حقوق الضحايا، وتوثيق الانتهاكات لتصبح جزءاً من مسار المصالحة الوطنية.
فهي ليست مجرد لحظة إعلامية، بل مدخل لإعادة صياغة العلاقة بين العدالة والذاكرة المجتمعية.