الثورة – ثورة زينية :
من وسط عبق التاريخ وروح الحضارة التي تنبع من أزقة دمشق العتيقة وشوارعها تتسرب صورة أخرى لا تعكس جمال المدينة ولا حضارتها، بل تفرض نفسها بقوة على المشهد البصري فتتحول سماء العاصمة إلى شبكة معقدة من الكابلات الكهربائية والإنترنت المتشابكة التي تلتف فوق أعمدة الإنارة وعلى واجهات المباني كأنها عنكبوت ضخم يسيطر على فضاء المدينة.
هذه الفوضى التي باتت تعرفها أغلب أحياء العاصمة ليست مجرد مشكلة جمالية فقط، بل أزمة متشعبة تحمل في طياتها أخطاراً بيئية و تقنية واجتماعية تتطلب وقفة جادة من الجميع.
جذور المشكلة
تشهد دمشق ازدياداً متسارعاً في عدد مشتركي خدمات الإنترنت والاتصالات، وهو أمر إيجابي يعكس التطور التقني ورغبة المواطنين في مواكبة العصر الرقمي، ويستدرك الخبير في التخطيط الحصري العمراني المهندس نضال هيلم: إلا أن هذا التوسع لم يصاحبه تنظيم فعال أو تحديث للبنية التحتية، ما أدى إلى تراكم الكابلات القديمة إلى جانب الجديدة في أماكن واحدة دون تخطيط مسبق، إضافة لغياب التنسيق بين شركات الاتصالات ومؤسسات الكهرباء، وعدم وجود جهة رقابية مسؤولة بشكل مباشر عن تنظيم هذه الشبكات، ما أسهم حسب الخبير هيلم في تعميق الأزمة، إذ تعمل كل جهة بمعزل عن الأخرى وغالباً ما يكون التدخل عشوائياً وسريعاً للتعامل مع الأعطال فقط من دون التفكير في الحلول طويلة الأمد.
ويضيف: النتيجة هي مشهد لا يليق بمدينة بحجم دمشق وتاريخها، إذ تتدلى الكابلات بأشكال عشوائية من الأعمدة وحتى من نوافذ البيوت مشوهة للمظهر الحضري ومتسببة بوجود خطر متزايد على المارة خاصة الأطفال وكبار السن، ناهيك عن وجود مخاوف حقيقية من وقوع حوادث كهربائية أو حرائق بسبب تماس الكابلات بالإضافة إلى انقطاع مستمر في خدمات الإنترنت والهاتف، ما يضيف معاناة يومية للمواطنين.
ضعف التخطيط والتنسيق
ونوه بأن هذه الفوضى في الانتشار العشوائي والكثيف للأسلاك والكابلات تخلق أجواءً من الإحباط والقلق لدى سكان العاصمة، كون هذه الصورة تتناقض مع محاولات الحكومة في تحديث المدينة وإعادة إحيائها.
واعتبر أن فوضى الكابلات في دمشق ليست مجرد مظهر خارجي مشوه، بل هي انعكاس لضعف التنسيق والتخطيط في قطاعات حيوية تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين وجودة خدماتهم، داعياً الجهات المعنية للعمل بشكل منسق وحاسم ليس فقط من أجل تحسين صورة العاصمة، بل لضمان سلامة الناس وخلق بيئة حضرية أكثر تنظيماً وحداثة تليق بتاريخ دمشق ومستقبلها الواعد.
وشدد المهندس هيلم على أن المعالجة الحقيقية تتطلب استراتيجية شاملة وواضحة تعتمد على تكامل جهود الوزارات المعنية، وإشراك القطاع الخاص في تطوير البنية التحتية إلى جانب توعية المواطنين حول أهمية التنظيم وعدم الإضرار بالمظهر العام للمدينة، كما يجب من وجهة نظر الخبير هيلم الاستثمار في تقنيات حديثة وأساليب مبتكرة مثل استخدام الكابلات الأرضية أو الكابلات اللاسلكية حيثما أمكن، مع بناء قاعدة بيانات دقيقة لمواقع الكابلات لتسهيل الصيانة المستقبلية.
بين الوعود والتحديات
تتحدث مصادر في وزارات الاتصالات والطاقة عن خطط لإعادة تنظيم الشبكات وتحويل جزء كبير منها إلى كابلات مدفونة تحت الأرض خصوصاً في الأحياء الجديدة، ولكن تنفيذ هذه المشروعات يواجه عقبات ضخمة، منها ارتفاع التكاليف وصعوبة الحفر في المناطق المأهولة والقديمة وتعقيدات التنسيق بين الجهات المختلفة.
وعلى الرغم من بعض الحملات المحلية لإزالة الكابلات القديمة، إلا أن الوتيرة بطيئة وغير متزامنة، ما يجعل المشكلة تتفاقم يوما بعد يوم.