الثورة – أحمد صلال – باريس:
بعد الإطاحة بنظام الرئيس السوري المخلوع في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وتشكيل حكومة مؤقتة، أصبحت النساء في سوريا أكثر تفاؤلاً بمستقبل بلادهن، وبدأن يتطلعن للمساهمة في إعادة البناء والمشاركة في الإدارة الجديدة للدولة.
إلا أن نتائج الاستحقاق الديمقراطي البرلماني لم تكن مشجعة، إذ لم تحقق المرأة النسبة المأمولة في التمثيل النيابي، بل كانت النسبة هزيلة مقارنة بحجم المشاركة النسائية في العملية الانتخابية.
ولفهم أسباب هذا الغياب، طرحت “الثورة” الأسئلة على مثقفات سوريات مقيمات في باريس، حول رؤيتهن لدور المرأة المثقفة وموقعها تحت قبة البرلمان، وأسباب ضعف الحضور النسائي في المشهد السياسي السوري.
مطلب يفرضه الواقع
تقول مديرة الشؤون الاجتماعية والخدمية ودعم الأسرة في الجالية السورية تاليا شهاب الحجازي: “رغم التطور الملحوظ الذي شهدته سوريا في مجالات الثقافة والفكر والفنون، لايزال حضور المرأة المثقفة ضعيفاً في الحياة السياسية، ولا سيما تحت قبة البرلمان، فقد أظهرت نتائج انتخابات مجلس الشعب الأخيرة استمرار ضعف التمثيل النسائي، على الرغم من المشاركة الواسعة للنساء في العملية الانتخابية.
وتضيف الحجازي: المرأة السورية– الكاتبة والشاعرة والمخرجة والإعلامية– أثبتت قدرتها على الإبداع والعطاء في مختلف المجالات، وأسهمت في نشر الوعي الثقافي والفكري داخل المجتمع. غير أن هذا الدور الفاعل لم يجد طريقه بعد إلى المؤسسات التشريعية، إذ لا تزال المرأة المثقفة بعيدة عن دوائر صنع القرار، رغم ما تمتلكه من رؤية وطنية وخبرة في التعبير عن قضايا الناس وهمومهم.
وترى الحجازي أن أسباب ضعف التمثيل النسائي تعود إلى عوامل متعددة، منها النظرة التقليدية التي تحصر السياسة في إطار ذكوري، وضعف الدعم الحزبي والإعلامي للمرشحات، إضافة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تحدّ من مشاركة النساء في المنافسة الانتخابية.
كما تشير إلى أن بعض المثقفات يفضلن البقاء في ميادين الفكر والإبداع بعيداً عن السياسة، التي يرينها مجالاً محدود التأثير أو غير جاذب.
وتتابع قائلة: تمكين المرأة المثقفة سياسياً لم يعد ترفاً، بل ضرورة وطنية لتجديد الحياة التشريعية وتعزيز دور الثقافة في بناء الدولة والمجتمع.
فحضورها في البرلمان لا يعني فقط تحقيق المساواة في التمثيل، بل إثراء النقاش العام برؤية أكثر عمقاً ووعياً.
وتختتم الحجازي حديثها بالتأكيد على أهمية تبنّي سياسات واضحة تشجع المرأة المثقفة على خوض العمل البرلماني، من خلال برامج تأهيل ودعم سياسي وإعلامي تراعي الكفاءة والخبرة.
كما تدعو إلى التفكير في تخصيص “كوتا ثقافية نسائية” تضمن تمثيل الكفاءات النسائية ذات الخلفية الفكرية والثقافية، بما يسهم في رفع جودة العمل التشريعي ويعكس الصورة الحقيقية للمرأة السورية ودورها الريادي في بناء الوطن.
حاجز لا يزال قائماً
من جانبها، ترى الناشطة النسوية منى فريج أن غياب المرأة عن مواقع صنع القرار في سوريا يعكس خللاً عميقاً في بنية الحياة السياسية والاجتماعية.
“إن غياب المرأة، وخاصة تحت قبة البرلمان، يعبّر عن استمرار التحديات التي تواجه النساء في الوصول إلى مراكز القرار، ويؤكد أن الطريق أمام المساواة لا يزال طويلاً”، تقول فريج.
وتوضح أن الشعارات الكثيرة حول المساواة وتمكين المرأة لم تترجم إلى واقع فعلي، مشيرة إلى أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة أظهرت ضعفاً واضحاً في التمثيل النسائي، سواء في عدد المرشحات أم الفائزات بالمقاعد.
تعدد فريج أسباب ضعف مشاركة النساء في الحياة السياسية، وتقول:
” النظرة المجتمعية التي لا تزال تشكك في قدرة المرأة على ممارسة العمل السياسي وتعتبره حكراً على الرجال.
وتؤكد أن هذه الذهنية الذكورية المتجذّرة في ذهن المرأة نفسها تحدّ من فرص النساء في الترشح، وحتى حين يترشحن يجدن أنفسهن بلا دعم كافٍ من المجتمع.
كما تشير إلى أن العوامل الاقتصادية تلعب دوراً محورياً، إذ تحتاج الحملات الانتخابية إلى موارد مالية كبيرة لا تستطيع كثير من النساء تأمينها، خصوصاً في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، إلى جانب غياب المساحات السياسية والأحزاب الحقيقية التي يمكن أن تُرشّح النساء من خلالها.
وتقول: “إن ضعف تمثيل المرأة في البرلمان السوري ليس مجرد رقم أو نسبة منخفضة، بل هو مؤشر على تغييب نصف المجتمع عن صياغة مستقبل البلاد”.
وتضيف: إن وجود النساء في مواقع القرار يضمن طرح قضايا المجتمع من زاوية أكثر شمولاً وعدلاً، ويعزز قيم المساواة والمواطنة.
وتختم بقولها: “معالجة هذا الخلل تتطلب تغييرات جذرية في القوانين والسياسات والثقافة المجتمعية، مع توفير بيئة ديمقراطية حقيقية تمكّن النساء من المشاركة الكاملة في الحياة السياسية، لا كمجرد مرشحات رمزيّات، بل كشريكات أساسيات في صنع القرار وبناء السلام”.