الثورة – سيرين المصطفى
يواجه بعض الأفراد تحديات صحية أو جسدية قد تحدّ من قدرتهم على ممارسة بعض الأنشطة التي يعتبرها الآخرون أموراً اعتيادية، غير أن الإشكالية لا تكمُن فقط في هذه التحديات بحد ذاتها، بل تتفاقم بفعل الطريقة التي يتعامل بها المجتمع معهم، سواء على مستوى اللغة أو المواقف.
ففي بعض المجتمعات، ومنها المجتمعات الشرقية كالمجتمع السوري، تُستخدم ألفاظ قاسية ومجحفة لوصف هؤلاء الأشخاص، مثل: “معاق”، “أطرش”، “أخرس”، “أكتع”، أو “يتلعثم بالكلام”، ولا تقتصر هذه التوصيفات الجارحة على ذوي التحديات الجسدية أو الصحية، بل تمتد لتشمل من يختلف وضعهم عن السائد، كأن توصف فتاة تأخرت في الزواج بكلمة “عانس”، وغيرها من المصطلحات التي تنطوي على انتقاص أو إهانة.
الأثر النفسي لـ الألفاظ الجارحة
تُسهم هذه الكلمات في تعزيز وصمة العار الاجتماعي وزيادة التهميش والضغط النفسي، ما يزيد معاناة الأفراد بدلاً من تقديم الدعم والتفهم لهم، فمثل هذه المصطلحات تؤدي إلى شعور الشخص بالعار والرغبة في الانعزال، وتقلل من ثقته بنفسه، وقد تتسبب أحياناً بالقلق والاكتئاب، تمتد آثار هذه الألفاظ أيضاً لتشمل العائلة والمقربين، ما يعمّق تأثيرها النفسي والاجتماعي.
الأثر الاجتماعي والتربوي
على الصعيد الاجتماعي، تُسهم هذه الكلمات في تعزيز سلوكيات التنمر، وتُفاقم من مظاهر التهميش والإقصاء، ما يحدّ من قدرة الأفراد على الاندماج والمشاركة الفعّالة في المجتمع، أما في المجال التربوي، فتنطوي هذه الألفاظ على أثر سلبي واضح داخل البيئة الصفية، حيث تُضعف من تفاعل الطلاب الإيجابي مع المعلمين وزملائهم، وتُعوق بناء بيئة تعليمية صحية وشاملة.
ونتيجة لذلك، تتعزز مشاعر العزلة ويصبح التواصل الاجتماعي أكثر صعوبة، ما يزيد من التحديات التي يواجهها الأفراد ذوو الاحتياجات الصحية أو الجسدية.
اللغة الداعمة كحل فعّال لتقليل الأذى النفسي والاجتماعي
سبق ودعا أختصاصيون وناشطون إلى اعتماد لغة بديلة تحترم كرامة الآخرين وتراعي مشاعرهم.
حتى أن بعض صفحات ووسائل التواصل اعتمدت مرادفات لبقة عند حديثها عن أولئك الأشخاص.
على سبيل المثال: بدل كلمة “معاق” يمكن استخدام “ذو احتياجات خاصة”، ويمكن قول “يعاني من ضعف في السمع” أو “لا يسمع” عوضاً عن استعمال لفظ “أطرش”، وبدل “يتلعثم بالكلام” يمكن القول “يواجه صعوبة في النطق”، وغيرها من الأوصاف المقبولة التي تحترم هذه الحالات.
هذا النهج لا يحمي الأفراد من الأذى النفسي فحسب، بل يسهم أيضاً في خلق بيئة اجتماعية أكثر شمولية، ويشجع على المشاركة والاندماج، ويقلل من التمييز والتنمر، ويعزز التفاعل الإيجابي في الوسط المحيط والمدارس وبيئات العمل.
اختيار الكلمات بعناية واحترام يسهم في تعزيز كرامة الآخرين ويحدّ من الأذى النفسي والاجتماعي الذي من الممكن أن يتعرضوا له نتيجة استخدام الأوصاف الجارحة، والمفردات اللائقة تنشر في المجتمع ثقافة احترام تلك الفئات وتفهم وضعها، مما يقدم الدعم المعنوي ويقوي التواصل الإيجابي، ويعزز الثقة بالنفس لدى جميع الأفراد بغض النظر عن تحدياتهم الصحية أو الجسدية.