الثورة – تحقيق سناء عبد الرحمن:
لم يعد البحر كما كان في ذاكرة صيادي طرطوس مصدرَ خير يفيض بالرزق، بل تحوّل إلى ساحة معاناة يومية تُثقل كاهل آلاف العائلات التي تعتمد عليه كمورد وحيد للعيش.. فمن انهيار الأسعار، إلى ارتفاع تكاليف المازوت، الصيد الجائر، استخدام الديناميت، إضافة إلى استغلال الأسواق والعمولات، كلها عوامل جعلت المهنة في مهب الريح، وأبقت الصياد أمام خسائر متلاحقة..
هذا التحقيق الصحفي تناول أوضاع الصيادين والبحر والمشكلات التي تواجههم..
أسعار لا تغطي التكاليف
منذ أكثر من عشر سنوات ورث الصياد ربيع نزهه المهنة عن والده الذي عمل فيها لأكثر من أربعين عاماً، ربيع يصف حال الصيادين: من أخطر ما يواجهه الصيادون اليوم لجوء البعض إلى استخدام الديناميت في الصيد، ما يؤدي إلى إبادة الأسماك بما فيها البيوض، ويهدد عملية التكاثر، لذلك فهي ظاهرة خطيرة، لا تقتصر آثارها على الحاضر فقط، بل تمتد لتضع مستقبل الثروة البحرية في مهب الريح.
ويتابع: تتميز مياه طرطوس بتنوع بحري واسع يشمل الطريخون، الفريدة، اللقز الرملي والصخري، الغزال، الجرو، السراغيث، الشكرمو، الفرنسي، وسلطان إبراهيم.
غير أن هذا الغنى مهدد بالتراجع بسبب الصيد الجائر، واستخدام الشباك الصغيرة التي تحرم الأسماك فرصة النضوج.
لا تقف التحديات عند حدود السوق، كما بين نزهة، إذ يواجه الصيادون أخطاراً بيئية أيضاً، فسمكة النفيخ تهاجم الشباك وتقطع الخيوط والسنانير، وهي سامة وغير صالحة للاستهلاك.
وكذلك سمكة الأسد التي تُعد من أخطر الأنواع الوافدة، إذ تحتوي على 14 شوكة سامة، قد تصل خطورتها إلى 65 بالمئة حسب مناعة المصاب، لا يُسمح عادة بصيدها إلا للغواصين المتخصصين، وفي بعض الدول تقوم الدولة بطلب صيدها وشرائها من الصيادين كجزء من جهود مكافحة هذه السمكة الخطيرة والحد من آثارها الضارة.
ويكمل نزهة: إن الممارسات داخل الأسواق تزيد الأزمة تعقيداً، فالتجار يشترون الكيلوغرام من الصيادين بمئة ألف ليرة ويعيدون بيعه للمستهلك بما يتجاوز 250 ألفاً، أما داخل البازارات، فيتم تسجيل وزن السمكة بأقل من حقيقتها، فيخسر الصياد جزءاً من جهده من دون وجه حق.
السمك أغلى من باقي اللحوم
بدوره قال المواطن أبو حاتم: “صرنا في طرطوس نسمع بالسمك، وما عاد نشوفو عالسفرة، لأن كيلو السمك أغلى من اللحمة، مع أن البحر أمام بيتنا”!أما ياسر العلي فقال: نرغب أن يكون سوق السمك قريباً من البحر، من أجل الحفاظ على نظافة الشوارع والحد من انتشار الروائح، كما أنه يجعل عملية البيع أكثر تنظيماً، ويعطينا فرصة لنشتري السمك طازجاً من الصياد مباشرةً وبأسعار معقولة من دون وسيط.
وأشار المواطن بسام محمد إلى أن طرطوس مدينة البحر، ويجب أن يكون السمك في متناول كل أسرة، وبأسعار رخيصة، لذلك نأمل أن يُقام سوق مركزي للأسماك بجانب البحر، ليس فقط من أجل الحد من الفوضى، بل لأننا بحاجة لسوق قريب، نقصده ونشتري من الصياد، ولا نجُبر على الذهاب إلى سوق الهال لنشتري السمك.
خسارة الصياد والمستهلك
رئيس جمعية الصيادين في طرطوس وسام شاحوط قال: يجب أن تكون الجمعية مرجعاً أساسياً للصيادين، وأن يُخصص لنا مكان رسمي على البحر كنقطة بيع مباشرة، كما هو الحال مع أي مشروع آخر يُستأجر ويُدار بشكل منظم، وقد أعلنا عن استعدادنا لاستئجار الأرض وتجهيزها على نفقتنا الخاصة، ورفعنا عدة كتب للمعنيين، ولكن للأسف لم نجد استجابة، وتوقف كل شيء عند تفاصيل غير مقنعة.
ولفت شاحوط إلى أن الوضع الحالي يشكل ظلماً كبيراً للصياد والمستهلك معاً، فكلاهما يتعرضان للخسارة، مشيراً إلى أن كيلو السمك إذا كان سعره 100 ألف ليرة، يتم اقتطاع 10 بالمئة عمولة، ثم تُخصم نسبة إضافية من الوزن، ليبقى للصياد فعلياً نحو 75 ألف فقط..
وفي النهاية يدفع المواطن 100 ألف فروق أسعار، فيما المستفيد الحقيقي هم الوسطاء.
بالإضافة إلى أن المواطن يجد صعوبة في الذهاب إلى سوق الهال الواقع شرق مدينة طرطوس، لشراء السمك، فيما يأتي تاجر قطاع خاص يأخذ نقطة بيع بالقرب من البحر، ويتحكم بالصيادين، لأن الصياد لا يملك مقراً تابعاً لجمعيته ليحميه من الاستغلال.
مطالب ومقترحات
ونقل رئيس الجمعية مقترحات الصيادين، ومنها: ضرورة دراسة أوضاعهم بجدية من قبل المعنيين، والعمل على تخصيص سوق منظم للأسماك على شاطئ البحر، يكون تحت إشراف الجمعيات التعاونية الخاصة بهم.
واقترح أن يضم السوق عدة مزادات لبيع الأسماك الطازجة، مع تطبيق رقابة صارمة على جودة الغذاء، بما يضمن منع بيع الأنواع المجمدة أو المستوردة وغير الصحية، وتوفير المنتجات بأسعار مناسبة تصل مباشرة من الصياد إلى المستهلك بعيداً عن الوسطاء.
وأشار إلى أن هذا المشروع سيكون له أثر إيجابي أيضاً على الجانب البيئي، إذ ستُرمى مخلفات تنظيف الأسماك في البحر لتُستخدم كغذاء طبيعي للأسماك الأخرى.. ولابدّ من إعادة النظر في نسب العمولات التي تلتهم أرباحهم، ومراقبة الوزن بشكل شفاف، ومكافحة التفجير البحري والصيد الجائر لحماية الثروة البحرية.
وختم شاحوط حديثه بالمطالبة بدعم الصيادين بمادة المازوت وكل التجهيزات لضمان استمرارية المهنة، مبيناً أن ذلك حق مشروع لصيادي طرطوس، يضمن استمرار هذه المهنة، ويحمي قوت يومهم، ويعود بالنفع على الصيادين والمستهلكين والاقتصاد المحلي على حد سواء.