الثورة – همسة زغيب:
المقاهي الثقافية أماكن تقليدية وعصرية توفر مساحات مريحة وملهمة للإبداع والنقاش الثقافي والفني، حيث يلتقي المبدعون والفنانون لمشاركة أعمالهم وأفكارهم في بيئة تفاعلية داعمة للإلهام والتعلم.
تاريخياً، كانت هذه المقاهي تحتضن كبار الأدباء والمثقفين في جلسات حوارية، ولا تزال اليوم تمثل قوة دافعة للحركات الثقافية والفنية في المجتمعات.
في تصريح لصحيفة الثورة أوضح الشاعر بلال كسواني أنَّ المراكز الثقافية الرسمية عموماً تشهد نشاطاً ملحوظاً في الوقت الحالي، للتجمعات الفكرية والأدبية والفنية، ومناقشة القضايا الثقافية والفكرية المختلفة، وتوفر مساحة للتجمعات الفكرية والأدبية والفنية، وتساهم في إحياء الحركة الثقافية في المجتمعات، لكن المقاهي تميزت بكسر النمطية لاجتذابها شرائح عمرية أوسع وأنماط وشخصيات قد لا تهتم عادة بالأدب والفكر والفنون فقط، باعتبار ما سبق يعطي هذه الأنماط شعوراً بمقاربة طبقات لا يعرفون عنها شيء إلا من خلال السينما والدراما، أي أنها تشعرهم بتحسن وضعهم الاجتماعي.
وأضاف: يمكننا أن نقول: إنّه في كل زاوية، ومنزل، ومقهى، ومطعم، تكمن فيها السياسة والآداب والفنون والفلسفة، وحتى النظريات العلمية والأوراق البحثية، يعتبر مقهى ثقافياً بمعنى من المعاني، وتعتبر خالية من الرقابة، وفي هذا الأمر إيجابيات كما هنالك سلبيات أيضاً.
كما أكّد أنَّ المقاهي الثقافية الدمشقية توفر مساحة للتواصل بين الأفراد المهتمين بالثقافة والفنون، إذ يمكنهم تبادل الأفكار والآراء والتجارب، وتعتبر تلك المقاعد الخشبية والطاولات الصغيرة أماكن للتواصل والتبادل وجزءاً أصيلاً من الذاكرة الشعبية للمدينة، إذ استعرض كسواني بدايات المقاهي الثقافية وتعود إلى القرن السادس عشر، متوقفاً عند محطات مفصلية من تاريخها، ولاسيما ما شهدته من التوسّع الكبير في أوائل القرن العشرين، حتى بلغ عددها في تلك الفترة نحو المئة وعلى أطرافها.
ولفت إلى أن للمقاهي أهمية كبيرة، كونها الحامل والمتن لأي نهضة وثورة فكرية تحتاجها أي أمة، ولكنه منوط طبعاً بظروف عدة ليس أولها الوعي الجمعي وذهنية المستهدفين برسالته وليس آخرها الظروف الجيوسياسية في منطقته.
كما أوضح أنه شخصياً لا يؤمن بالاختراقات الكبرى التي ينبري فيها شخص واحد مهما بلغت مرتبته العلمية وإمكاناته، خصوصاً في العصر الحديث الذي هو عصر- اختصاص الاختصاص- ولا يؤمن أن فرداً واحداً باستطاعته فعل ذلك، أو حتى تحريكه ولو بقرية واحدة.. بل حركة متكاملة من العوامل التي تفرزها الحروب والصدمات الجمعية للأمم، فتشعرهم بتكرار التحديات الوجودية والتي يجب التصدي وتكرارها بالوعي، وفهم الآخر جيداً، علاوة عن فهم وتقدير أهمية الفكر والثقافة والفنون والفلسفة في بناء الأمم وصنع الطفرات أو النهضة.
ولا يمكن لهذا كله ولا جزء منه أن يتحقق من دون سقف حريات عال تتيحه الأنظمة السياسية بذات الدرجة التي يجب أن يتحلى بها المجتمع، وعندها يستطيع المثقفون بحركة جمعية غير متفقة على تغيير الحال ووضع أطروحاتهم أمام النخب والعوامل على حد السواء ما يصنع حالة من التضياف والتواشج وبدرجة ما نهضة ترتقي بالحالة العامة.
وأكّد أنَّ المقاهي الثقافية عادت تدريجياً بعد انقطاع طويل بسبب الحكم “البوليسي” البائد، أحصى أنفاس الناس سابقاً، وعلى الرغم من التحديات، لا تزال تسعى باستمرار إلى الابتكار وتوفير مساحات جديدة للنقاش والإبداع كمنارة ومنبراً للعلماء والأدباء والمفكرين في أوروبا والتقاء العوام بهم، وحتى اختبار بعض التجارب وسماع المناظرات الفكرية والأطروحات السياسية.
وأشار الشاعر أنّه تمت مناقشة عدة فعاليات شعرية وقصصية وندوات حوارية نقدية في صالون فيروز الثقافي مؤخراً، وتخلل بعضها سكيتشات مسرحية سياسية ساخرة لتعزيز ثقافة الحوار والاختلاف، ولاسيما أنها تتيح للمرة الأولى لغير المهتمين سماع من كانوا يظنونهم مقعري اللغة بأنهم غير واقعيين بالطرح- باعتبار الحياة صعبة- وأنّ الإنسان يجب أن تتوفر عنده الحاجات الأساسية أولاً، وأما الثقافة والفنون كماليات وترفيات الخ.. لكنهم سرعان ما يقتنعون بأن “ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان”.
واختتم الشاعر بلال كسواني حديثه، مبيناً ماهية المقاهي الثقافة في تطوير مبادرات ثقافية خاصة بها، مثل إنشاء مكتبات صغيرة، أو تنظيم ورش عمل في مختلف المجالات الفنية، وتعزيز الوعي الثقافي بين أفراد المجتمع، من خلال توفير مساحة للتعلم والتبادل الثقافي، وخلق بيئة إيجابية من خلال توفير مساحة للتواصل والتبادل والتعاون في جميع المجالات الثقافية.