الملحق الثقافي-رنا بدري سلوم:
«الموسيقا قانونٌ أخلاقيّ يمنحُ الرّوح للكونِ ويمنحُ أجنحةً للعقلِ، تساعدُ على الهروبِ إلى الخيال، وتمنح السّحر والبهجة للحياة، وفقاً لأفلاطون، فيما يراها أرسطو أنها أعذب ما يتمتَّع به جنس البشر. في وقت تقول الأساطير اليونانيّة إنّ الموسيقا أسطورة خلَّفَتها ربَّة الفن موزي muse، وإن لليونانيّين القُدامى ثلاث ربَّات، ربَّة الدّراسة، وربّة الذّاكرة، وربَّة الغناء، ولكن لكل فنٍّ أصبح له بمرور الوقت ربَّةً راعيةً، ولصوتِ الموسيقا خصائصُ سحريّة تشفي المرضى، وتبعثُ التّقوى في النفوس عند أدائها للطقوسِ الروحيّة والاجتماعيّة.
يؤكّد كتاب «نزعة إلى الموسيقا» للكاتب أوليفر ساكس، أن الاستماع للموسيقا ليس سمعيّاً وعاطفيّاً فحسب، بل هو حركي أيضاً، فكما كتب نيتشه «نحن نسمع الموسيقا بعضلاتنا» نحن نواصل أداء حركات توقعيّة وفق نغم ما لا إرادياً حتى لو لم نكن نصغي إليه بشكلٍ واعٍ، وتعكس وجوهنا ووضعيّاتنا حكاية اللّحن، والأفكار والمشاعر التي يستحثّها، إنّ كثيراً منّا يزهو خلال إدراكنا الحسّي للموسيقا، ويمكن أن يزهو أيضاً عندما تعزف الموسيقا في العقل فمن شأن تخيّل الموسيقا حتى لدى النّاس غير الموسيقيين نسبياً، أن يكون مطابقاً للأصل بشكل ملحوظ ليس فقط في اللّحن والشّعور بل أيضاً في درجة النّغم وسرعة الإيقاع، إن ما يشكّل الأساس لهذه الظّاهرة هو العناد الاستثنائي للذاكرة الموسيقيّة، بحيث إنّ معظم ما يتم سماعه خلال سنوات المرء المبكرة قد ينقش على الدّماغ لبقيّة حياته، فيتأثر بها نفسيّاً فيما بعد، فأصغوا جيداً، وتمعّنوا لأي موسيقا نسمع وهل حقاً تُشبهنا!.
العدد 1185 –16-4-2024