الثورة – دمشق – ميساء العلي:
ماذا نريد من القطاع العام؟ هل نريد منه التوظيف؟ هل نريد الدعم ؟ .. وهل يمكن تحقيق ذلك في سوية واحدة، خاصة ما تعلق بالربحي كونه اقتصادياً من جانب، ومن جانب آخر اجتماعي ؟
تساؤلات كثيرة حول سياسات التوظيف في سورية فهل لا يزال من مهام الدولة و بنفس الطريقة ؟ ، أم يجب أن يحقق التوازن ما بين الجانب الاجتماعي للتوظيف ، والتوظيف النوعي؟
التوظيف و التسريح
يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب الدكتور حسن حزوري: من حيث المبدأ يمكن القول وباختصار إن أي مؤسسة حكومية أو خاصة يجب أن يكون لديها سياستان واضحتان، هما سياسة التوظيف وسياسة التسريح، فسياسة التوظيف تهدف إلى مساعدة المؤسسة في اختيار المرشحين المناسبين للوظائف المتاحة، وأما سياسة التسريح تساعد في الحفاظ على أداء المؤسسة بأعلى مستوى.
وبناء عليه، إن تحقيق التوازن الصحيح بين سياسات التوظيف والتسريح يساهم في بناء فرق عمل قوي ومؤهل، وفي الحفاظ على مستوى عالٍ من الأداء المؤسسي، ولذلك يتعين على إدارة الموارد البشرية الذكية والفعالة، أن تدمج هذين الجانبين بعناية لضمان تحقيق الأهداف المؤسسية بنجاح.
حزوري ميز- بالنسبة للمؤسسات السورية- بين من يعمل ضمن القطاع الإداري من وزارات وغيرها، والذي يطلق عليه الوظيفة العامة وبين من يعمل في القطاع العام الاقتصادي و ما يتضمن من مؤسسات صناعية وزراعية ومصارف وغيرها.
امتصاص البطالة
وأضاف في حديث خاص ل “الثورة”: “نعلم وبهدف امتصاص البطالة، كانت الحكومات المتعاقبة قبل الحرب، تمارس دور التوظيف الاجتماعي بغض النظر عن الحاجة الفعلية للعمل وخاصة في القطاع العام الاقتصادي، وأصبح هناك فائض عمالة في معظم المؤسسات الحكومية الإدارية والحكومية، وكان الجميع يخضع لسلم رواتب وأجور موحد، وخاصة بعد صدور قانون العاملين الأساسي رقم 50 لعام 2004، وأخضعت الجميع لنفس سلم الرواتب والأجور، بغض النظر عن طبيعة العمل خدمي أم إنتاجي، يقدم خدمات حكومية ضمن ما يسمى الوظيفة العامة، أو سلع ومنتجات عائدة لقطاع عام إنتاجي ولذلك ونتيجة الحرب تحول مطلب الحصول على وظيفة في الدوائر العامة والمنشآت الحكومية وفي القطاع العام، من كونه حلماً لطالبي العمل من مختلف الاختصاصات قبل الحرب، إلى مطلبٍ بـ “الزيادة” أو ترك الوظيفة و”الاستقالة”، بسبب عدم تناسب الرواتب والأجور مع القدرة الشرائية للأجر المدفوع، بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، ولم تؤدي كل مراسيم زيادة الرواتب إلى ردم تلك الفجوة.
التعويضات
ويتابع كلامه قائلاً: لقد سعت الحكومة من خلال وزارة التنمية الإدارية إلى عقد ورشات عديدة لمناقشة تلك المشكلة المتعصية، من هذه الورشات عقد مؤخراً “الملتقى الحواري الموسع لقانون الخدمة العامة” الذي طالب في احد توصياته بربط سلالم الأجور بالمسلك الوظيفي للعاملين في الدولة، وفتح سقف الأجور، وإعادة النظر بالتعويضات الممنوحة للعاملين بما يتناسب والوضع المعيشي.
إلا أنه- وبحسب حزوري- وعلى الرغم من تلك المؤتمرات، لم تعالج تلك المشكلة التي تتفاقم باستمرار نتيجة التضخم الكبير والمستمر والذي يؤدي إلى تفاقم فجوة الدخل والأسعار ولذلك نجد، أن هناك عزوفا كبيراً في المشاركة في مسابقات التوظيف العامة، ويزيد تفاقم المشكلة، ما تشهده معظم إدارات المؤسسات العامة من حالات متزايدة من طلب الاستقالات وترك العمل، أو طلبات التقاعد المبكر، الذي يقابل بقرارات منع قبول الاستقالات، من دون معالجة الأسباب التي تؤدي إلى طلب تلك الاستقالات فلو فتح باب قبول الاستقالات لتوقفت العديد من المؤسسات عن أداء أعمالها وأغلقت أبوابها، ورغم منع الاستقالات، تزداد حالات ترك العمل والتسرب، وأصبحت العديد المؤسسات بحاجة ماسة للتوظيف، ونتيجة سلم الرواتب الحالي ووجود قوانين مقيدة لسلم الرواتب والأجور لم تستطع استقطاب العمالة التي تحتاجها، وإن حصل وقبل البعض للعمل في القطاع العام، فالهدف غالباً، اكتساب الخبرات وبعدها الانتقال للعمل في القطاع الخاص، نتيجة الفرق الكبير في الأجور بين القطاعين الحكومي والخاص.
ولحل مشكلة التوظيف من جهة، وبهدف أن تعمل كل مؤسسة حكومية بأعلى كفاءة ممكنة من أجل تحقيق أهدافها، كان هناك أسئلة هامة طرحها السيد الرئيس بشار الأسد خلال اجتماع اللجنة المركزية للحزب، وخصوصاً حين تساءل:
هل من مهام الدولة التوظيف؟ ما هي حدود التوظيف في الدولة وتساؤله أيضاً ماذا نريد من القطاع العام؟.. هل نريد منه التوظيف؟ وبهذا الطرح الواقعي لامس السيد الرئيس بشار الأسد الكثير من القضايا والتحديات التي تهم المجتمع والاقتصاد السوري ومنها موضوع التوظيف.
منح المرونة
من وجهة نظر أستاذ الاقتصاد، فإنه يعتقد أنه يجب التمييز بين من يعمل في القطاع العام الإداري أو في الوظيفة العامة، وبين من يعمل في القطاع العام الاقتصادي ومنه القطاع العام الصناعي الذي يملك مؤسسات وشركات تقدم منتجات وبضائع سلعية للجمهور، وبالتالي يجب التمييز بين القطاعين، فيجب أن نمنح القطاع العام الصناعي والمصارف، وكل مؤسسة يكون لها منافس في القطاع الخاص المرونة الكاملة في التوظيف وحتى التسريح وفي تحديد الرواتب والأجور من اجل الحفاظ على مواردها البشرية وخاصة المتخصصة والفنية، وان تقوم بتوظيف العدد الذي تحتاجه فعلياً وفق معايير الأداء، بدون وجود عمالة فائضة أو نقص، وحتى لاتعاني من التسرب لصالح القطاع الخاص، ونحاسب إداراتها على النتائج، من ربح أو خسارة، وهذا يستدعي إيجاد نظام عمل جديد خاص بالعاملين في القطاع الاقتصادي “إنتاجي– صناعي- خدمي– زراعي” مع سلالم رواتب وأجور توازي رواتب وأجور القطاع الخاص.
قانون بديل
أما مؤسسات القطاع الإداري أو الوظيفة العامة فنحن بحاجة إلى قانون بديل عن قانون العاملين الأساسي المعمول به حالياً، يتضمن القواعد الأساسية الناظمة للخدمة العامة في القطاع الإداري، مع توصيف دقيق للوظائف والمؤهلات العلمية المطلوبة والخبرات التراكمية، وتحديد سلم رواتب يتناسب والوظيفة.
ويختم كلامه بأنه في كل الحالات سواء كان ذلك للقطاع العام الاقتصادي أم الإداري، نحن بحاجة لإصلاح جذري لسلم الرواتب والأجور، بدءاً من الحد الأدنى للراتب، الذي يجب أن يؤمن للعامل وأسرته الحياة الكريمة، وفق ما نص عليه دستور الجمهورية العربية السورية لعام ٢٠١٢ في المادة ٤٠ الفقرة ٢ التي تنص “لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، ألا يقل الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيرها”.