مدينة القلب

الملحق الثقافي- هادي دانيال:
1
أركضُ بينَ الكلمات
لأقبضَ بالقلبِ وبالعَيْنَينِ على مَعنى
فعثرتُ على نفْسِيَ طائرَ فينيقٍ يومئُ
مِن تَحْتِ رُكامِ المَبْنى …
……….
الكأسُ بِرَغوَتِهِ يدفعُني عبْرَ النافذةِ العاليةِ
إلى رغباتٍ فاضَتْ عن كأسِ الشارعِ،
سالَتْ تغْمرُ أشجاراً كانت واقِفةً،
ذَبُلَتْ واقِفَةً،
وانْطَمَرَتْ بالعُرْيِ المَلْغُوم..
……….
أجْرِي وعلى كَتِفَيَّ جِبالٌ تكسوها غاباتٌ وطيورٌ وغيومْ
وَخفيفاً أجري كالمحمومْ
لكنَّ فِخاخاً للمَعْنى أطْبَقَت الآنَ على دِيكٍ أعْشى
في عزِّ الليلِ يصيحُ بِكُّلِّ مَرارتِهِ
كَي يُوقِظَ مَن غرقوا في عَسَلِ النَّوْمْ.
……….
أصرخُ يا قَوم ولا قَومْ
أجْتَثُّ الحنجرةَ وأنزفُ حبْرَ الجسَدِ على كَفَنِ الشارعِ ذاكَ
المُلْقى في قَبْوٍ مِن أقبِيَةِ القصر الغارقِ في زَبَدٍ فاضَ الليلةَ عن
كأسِ البحر…
مِن غَزَّةَ حتى صُوْرَ وبيروتَ البحرُ هُوَ البحر
وَمِن صَيْدا حتى حَيْفا والسّور العكّاويّ هُوَ البحر..
لكنّ الماءَ الواصِلَ بينَ طَرابُلسَيْنِ دٌمُوعُ القَهْر!
……….
أتكئُ إلى ذكرى
مِن صَخْرِ «شُقَيْف» وأنوار الرُّوحِ
إلى أضواءِ مَقاهٍ وَبَرِيقِ عُيُونِ الشَّهْوَةِ في الحَمْرا…
أتّكئُ إلى جَمْرٍ شَخْصِيٍّ في ليلٍ شَخصيٍّ
وَأمدُّ يَدَيَّ إليَّ
كي أُنْقِذُني مِن غَرَقي فِيَّ..
عَسانيَ أبْرا..
……….
ما أبْعَدَني عَنّي في تُونُسَ يا بَيروت
يا جذْر مُخَيّلتي
يا أخْصَب أوراقي
يا أبْهى ميناءٍ ألقَيْتُ بِهِ مرساتي..
قَسَماً بِدِماءِ الشَّجَرِ وأنْساغِ البَشَرِ وَما يَتَفَصَّدُ مِن حَجَرِ النّارْ
بِرَمَادِ جَدائلِ أغنيَةٍ ينثرُهُ القَصْفُ على أطلالِ الدّارْ
بجبينِ جَريحٍ يَنْضَحُ أضْغاثَ ضَواحٍ تعبرُها آذانٌ
وظِلالُ حديدٍ طائر…
قَسَماً بِعُلُوِّ الوَرْدِ إلى خَدَّيْكِ
ما تاهَتْ بُوصَلَتي عَنْكِ
لم أحْنثْ إنْ كُنْتِ حَنثْتِ
فكأنّي أنتِ حينَ أقومُ
وإنّي وَحْدِيَ حينَ أمُوت!.
2
تَمْتَدُّ يَدايَ أمامِيَ غُصْنَيْ آسٍ
قُدُّام القَبْرِ النّائمِ في ظلِّ شُجَيْرَةِ زَعْرورْ
كانَ اسْمِيَ مَحْفُوراً في شاهِدَةِ القَبْرِ
قَرَأْتُ الفاتِحَةَ و «ما هَمَّ» لأحمد قَعْبُورْ
وَجَلَسْتُ إلى رُوحِيَ أؤنِسُها
في وحشةِ مقبرةِ القريَةِ…
ضَحكتْ مِنّي
وَأنا أتَصَوَّرُني في صندوقٍ خَشَبيٍّ ملفوفٍ بالراياتِ الوَطَنيَّةِ
أمْشي خَلْفِيَ ، أحملُ باقاتِ وُرودٍ بيضاء
وأعزف «كونشرتو» الرايات السُّودْ
أتَلَفَّتُ
كان «البومُ» على أسوارِ المَقبَرَةِ وَبَيْنَ مَخالِبِهِ يهدلُ قَلْبِيَ
أو يَتَفَتَّتُ
حين التَحَقَتْ بي عارية الصّوتْ
كي نَتَسَلَّقَ أشجارَ الزَّقُّومِ
وَنَقطفَ عن قُضْبانِ «الدَّبَقِ» ثِمارَ الآفاقِ
وَنَشْويها فَوقَ جِمارِ الأشواقْ
هَزَّتْني صَرختُها فاخْتَلَطَتْ أضلاعِي
وَتألَّقَ في عَيْنَيَّ ضياعي
وارْتَعَشَتْ قامَتِيَ كَمَسكُونٍ بالجّنِّ يئنّْ
كانت صَرْخَتُها عاصِفَةً تهدمُ «دارَ الصحفي»
وجراحاً تنعر عاجِنَةً بِدِمائيَ «شارِعَ بورقيبةَ»…
حتى صارتْ تونسُ نَهراً يلهث خَلفي
وانتفَضَتْ أملاحُ البحرِ المتوسِّطُ في كَفِّي
صَخْرَةَ عُشّاقٍ شامِخَةً في «الرّوشةِ» كالأنْفِ
كانت أشلاءُ عماراتٍ، أطلالُ صبايا، وشظايا أطفالٍ،
وعيونُ رِجالٍ ، ترقبُني
أتَوَغَّلُ في أدْغالِ النّور
بِصَلابةِ حَجَرٍ وَكثافَةِ دَيجور
وَمَدينةُ قلبيَ تَصرُخُ مِن قلبي:
( أطْلِقْني
حَجَراً حَجَراً
وَتَراً وَتَراً)..
وأنا أتَخَلَّصُ مِن أعباءِ رفاتيَ شبْراً شبْراً…
أدخلُ في قَبْرٍ غافٍ في ظلِّ شُجَيْرَةِ زَعرورْ
أتباطأُ مثْلَ رذاذٍ في الرّيحِ
ويعبرُني بَرْقٌ يكشفُ عن غَزَّةَ خَلفَ السّورْ
غَيْمٌ أم شُعْرُكَ يا أحمد دحبورْ
يحجبُ عن مزماريَ مَرْعى الآلام
أتَقَدَّمُ مِنّي
أجْمَعُ بَيْنَ ذِراعَيَّ شتاتي
أتَمَلّى مَفتوناً ذرّات رفاتي
وأموت…
كي تحيا بيروت!.
                           

العدد 1207 –1- 10 -2024     

آخر الأخبار
قضية دولية تلاحق المخلوع بشار الأسد.. النيابة الفرنسية تطالب بتثبيت مذكرة توقيفه  بعد حسم خيارها نحو تعزيز دوره ... هل سيشهد الإنتاج المحلي ثورة حقيقية ..؟  صرف الرواتب الصيفية شهرياً وزيادات مالية تشمل المعلمين في حلب  استجابة لما نشرته"الثورة "  كهرباء سلمية تزور الرهجان  نهج استباقي.. اتجاه كلي نحو  الإنتاج وابتعاد كلي عن الاقتراض الخارجي  الهوية البصرية الجديدة لسوريا .. رمز للانطلاق نحو مستقبل جديد؟ تفعيل مستشفى الأورام في حلب بالتعاون مع تركيا المؤتمر الطبي الدولي لـ"سامز" ينطلق في دمشق غصم تطلق حملة نظافة عامة مبادرة أهلية لحفر بئر لمياه الشرب في معرية بدرعا السيطرة  على حريق ضخم في شارع ابن الرشد بحماة الجفاف يخرج نصف حقول القمح الإكثارية بدرعا من الإنتاج  سوريا نحو الانفتاح والمجد  احتفال الهوية البصرية .. تنظيم رائع وعروض باهرة "مهرجان النصر" ينطلق في الكسوة بمشاركة واسعة.. المولوي: تخفيضات تصل إلى 40 بالمئة "الاقتصاد": قرار استبدال السيارات مزور مجهولون في طرطوس يطلبون من المواطنين إخلاء منازلهم.. والمحافظ يوضح بمشاركة المجتمع الأهلي.. إخماد حريق في قرية الديرون بالشيخ بدر وسط احتفالات جماهيرية واسعة.. إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا الشيباني: نرسم ملامحنا بأنفسنا لا بمرايا الآخرين درعا تحتفل .. سماءٌ تشهد.. وأرضٌ تحتفل هذا هو وجه سوريا الجديد