الثورة – فردوس دياب:
في عالمهم الصغير، قد تتعلق طفلة بلعبة بسيطة تحملها معها أينما ذهبت، تُطعمها وتُحدّثها بحنان وكأنها كائن حي، وقد تتعلق طفلة أخرى بوسادتها ، وتصبح رفيقتها في السفر والأمان ، وقد يتعلق طفل آخر بشيء غير متوقع ويأبى الانفصال عنه
في هذه القصص الواقعية، تتحول الجمادات إلى كائنات عاطفية حيّة في نظر الطفل، ما يثير التساؤلات، عن هذه السلوكيات، التي تبلغ أحياناً حد الإصرار والتعلق المطلق، فهل هي مجرد مرحلة عابرة ؟ أم هي إشارة إلى حاجة نفسية أعمق؟ وماذا يقول علم النفس عن هذه “الأشياء الانتقالية”؟ هل هي دليل على مرض نفسي خفي، أم مجرد آلية صحية وفطرية يبني بها الطفل جسر الأمان بين عالمه الداخلي وواقعه الخارجي؟
تروي الأم “مايا ” عن تعلق طفلتها تاليا (9 سنوات)، بوسادتها حيث تقول : “الأمر تجاوز كونه مجرد عادة، “تاليا” تحب وسادتها وتناديها باسم سمتها به ، وتصرّ على أن تضع لها طبق طعام بجانبها على المائدة، وتقضي ساعات تتحدث إليها بصوت منخفض في السيارة، وعندما تنام تضعها بجانبها، لقد عرفت حينها أن هذه الوسادة ليست مجرد قماش، بل هي الأمان بالنسبة لها ، خصوصاً في السفر”.
أما السيدة “منال ” فيبدو تعلق طفلتها غريباً نوعاً ما ، حيث تقوم بوضع قطعة قماش على رأسها، معتبرة إياها شعرها الطويل ، و تريد وضعها على رأسها، وكأنه تاج الشجاعة ، وإذا ضاعت القطعة لدقائق، تتحول طفلتها إلى كتلة من القلق”.
بدورها قالت أم ريان: إن طفلتها لديها لعبة صغيرة الحجم لمجسم شخصية من مسلسل كرتوني اسمها “بسيط” ، وهي تتعلق به كثيراً وتجلسه معها على مائدة الطعام وتقوم بإطعامه والاهتمام به وتحممه واللعب معه فهو صديقها الذي يشاركها’ أسرارها، تطعمه الوجبات تطلب منه المساعدة ، وتلومه أحياناً عندما يرتكب خطأ، ذات مرة أضاعته وبقيت طوال الوقت تبكي عليه ، وتقول ” اشتقت له، خايفة عليه، بسيط جوعان”وهكذا.

الأمان والراحة
للوقوف على أسباب ظاهرة تعلّق بعض الأطفال بألعابهم وأشيائهم ، التقت صحيفة الثورة الاختصاصية بعلم النفس التربوي الدكتورة سهير الحكيم، والتي بدأت حديثها بالتأكيد على أن تعلق الأطفال بأشيائهم وألعابهم ،هو سلوك شائع جداً عند الأطفال، ويُعرف علمياً باسم “الشيء الانتقالي” ، و هو في الواقع جزء من مراحل النمو لدى الطفل، حيث يختار الطفل هذا الشيء عادة ما بين عمر 6 أشهر إلى السنتين، حيث يمثل له نوعاً من الأمان والراحة، خصوصاً عندما يبتعد عن أمه أو الأشخاص المرتبط فيهم عاطفياً.
وفيما يتعلق بأسباب تعلق الأطفال بهذه الأشياء، قالت الحكيم: إنه يمكن تفسير هذا التعلق من خلال عدة جوانب تنموية وعاطفية، ذلك أن معظم الأطفال الصغار يفتقرون إلى القدرة عن التعبير اللفظي عن مشاعرهم وإيجاد حلول للتخفيف من الخوف أو القلق الذي قد ينتابهم، فيجدون في هذه الأشياء نوعاً من الأمان العاطفي يعوضهم ويهدئ من روعهم.
كما يعزى سبب هذا التعلق إلى كونه جزءاً من النمو العقلي الطبيعي، حيث يتحدث الطفل مع لعبته و كأنها شخص حقيقي، ويعيش معها القصص، مما يتيح له ابواباًواسعةً لتنمية الخيال والإبداع لديه ، وفي بعض الحالات، قد يكون عند الطفل نقص معين بالعاطفة أو القرب من الأهل، أو حتى مشكلات عائلية تشعره بعدم الأمان، فيعوضه بالتعلق بشيء ثابت وآمن يعوضه عن أي قلق في محيطه.
سلوك طبيعي
وأضافت الحكيم أن التعلق بالاشياء في معظم الحالات، يعتبر سلوكاً طبيعياً وصحياً ومرحلة من مراحل النمو، لكن يجب على الأهل مراقبة سلوك الطفل إذا كان التعلق يمنعه تماماً من التفاعل أو اللعب مع أطفال آخرين، أي يصل به إلى العزلة الاجتماعية ،وكذلك إذا تحول الأمر لدى الطفل إلى سلوك وسواسي، أو فيه قلق شديد مبالغ فيه من فقدان الشيء او الابتعاد عنه، أو إذا استمر هذا التعلق بنفس القوة والحدة بعد تجاوز عمر 6-7 سنوات.
وشددت الحكيم على وجوب اتخاذ الأهل مجموعة من الخطوات الايجابية تجاه طفلهم المتعلق بألعابه، تبدأ من تقبّل الفكرة وعدم الاستهزاء بها، واستخدام اللعبة المتعلق بها كبوابة للتواصل معه، أي أن نتحدث معه عن مشاعره من خلال لعبته(هل الدب خائف اليوم؟), وكذلك عدم الانفصال المفاجئ، أي ألا نأخذ منه الشيء فجأة ، بل يجب أن نبدأ بتقليل الاعتماد تدريجياً، كما يجب على الأهل تشجيع الطفل على التفاعل مع أشياء وأشخاص أخرين لتوسيع دائرة اهتمامه وتوفير بدائل رمزية له كاستخدام قصص، لمساعدة الطفل على إدخال شخصيات جديدة، إلى عالمه مما يقلل من اعتماده على شيء
وختمت الدكتورة سهير الحكيم حديثها بالقول: إن الشيء الانتقالي هو رحلة نمو طبيعية وصحية ، ويمثل أول خطوة للطفل نحو الاستقلال العاطفي، ووسيلته الصغيرة ليطمئن قلبه بأن كلّ شيء على ما يرام في غياب أحبائه،مبينة أنه يجب التعامل مع هذا التعلق بالصبر والتقبل، فبمجرد أن يكتسب الطفل الثقة الكافية ليواجهواحد.
 
			
