الإصلاح والواقع المعيشي.. خياران أحلاهما مر  أمام  قرار رفع الكهرباء  

الثورة – رولا عيسى  

مرحلة اقتصادية بالغة الصعوبة، أعلنت فيها الحكومة عن تعديلٍ جديد في تعرفة الكهرباء، واصفةً القرار بأنه “خطوة أولى في مسار إصلاحٍ شامل لقطاع الطاقة”.

وبينما اعتبره البعض محاولة ضرورية لإنقاذ المنظومة الكهربائية من الانهيار، يراه آخرون عبئاً جديداً على كاهل المواطن الذي لم يتعافَ بعد من أزمات الحرب والتضخم وتراجع الدخل.

ويبدو أن الأمر “شر لابد منه”، فالتصريحات الرسمية التي صدرت تباعاً عن وزيري الطاقة والاقتصاد ومسؤولي الوزارة تكشف عن رؤية حكومية تسعى إلى تحقيق توازنٍ دقيق بين العدالة الاجتماعية والاستدامة الاقتصادية، لكن هذا التوازن يبقى مرهوناً بمدى تنفيذ الوعود المرافقة للقرار على أرض الواقع.

دوافع القرار

وللخوض في تفاصيل هذا القرار علينا أن نعرج على دوافعه أولاً، وبحسب وزير الطاقة محمد البشير، فإن رفع التعرفة يمثل الخطوة الأولى والأساسية في إصلاح منظومة الكهرباء، مؤكداً أن “العوائد لن تُستخدم لتحقيق أرباح، بل ستُعاد ضخّها في مشاريع توليد جديدة، وتركيب العدادات الذكية، وتطوير شبكات النقل والتوزيع”.

إذ تأتي هذه الخطوة في سياق ما تصفه الحكومة بـ”خطةٍ إصلاحيةٍ شاملة”، تهدف إلى تحسين كفاءة القطاع وضمان استمرارية الخدمة، بعد سنواتٍ من التدهور في البنية التحتية وانخفاض معدلات الإنتاج بسبب نقص التمويل والوقود.

من جهةٍ أخرى، أوضح الوزير أن كلفة إنتاج الكيلوواط الواحد تتراوح بين 12 و15 سنتاً، بينما كانت الأسعار السابقة لا تغطي سوى جزءٍ ضئيل من هذه الكلفة، وهو ما جعل استمرار الدعم الواسع غير ممكن اقتصادياً في ظل العجز المالي المتزايد.

بين الواقعية والمصارحة

وجاءت تصريحات وزير الاقتصاد والصناعة محمد نضال الشعار لتضيف بعداً سياسياً وأخلاقياً للقرار، إذ حاول من خلاله إعادة صياغة العلاقة بين المواطن والدولة على قاعدة “الشفافية والمصارحة”.

ففي حديثه، أشار إلى أن الدعم السابق كان “أداة سياسية لا وسيلة رحمة”، مؤكداً أن المرحلة القادمة تتطلب “استبدال الخداع بالصدق، والاعتماد السلبي بالاعتماد على الذات”.

وفي سياقٍ طمأني، شدد الشعار على أن الحكومة بدأت برفع الأجور في القطاع العام، وتشجع زياداتٍ مماثلة في القطاع الخاص، “حتى تواجه الأسر التغييرات بثقةٍ وكرامة”، معتبراً أن الكهرباء “حقٌّ أساسي وعنوانٌ للكرامة الوطنية”.

بهذا الخطاب، تحاول الحكومة إعادة تأطير مفهوم الدعم، ليس كمنحةٍ أو صدقةٍ اجتماعية، بل كأداة إصلاحٍ تضمن الاستدامة وعدالة التوزيع.

لاشك أن القرار برفع أسعار الكهرباء لم يأت من فراغ فتوضيحات مسؤولي الوزارة جاءت لتؤكد أن القرار ليس ذا طابعٍ مالي بحت.

فمدير الإعلام عبد الحميد سلات في تصريح سابق أوضح أن العوائد “ستُخصَّص بالكامل لتطوير القطاع”، بينما أكد مدير الاتصال الحكومي أحمد سليمان أن الوزارة درست الرفع بشكل تدريجي “بما يتناسب مع الوضع المعيشي”، في إشارةٍ إلى أن التسعيرة الجديدة تراعي الشرائح ذات الدخل المحدود.

لاشك أن الحديث عن تركيب العدادات الذكية وتخفيض الفاقد الفني والتجاري وزيادة الإنتاج عبر مشاريع جديدة يعكس توجهاً نحو تحديث البنية التقنية للقطاع، وإن كان تنفيذ هذه الوعود يتطلب تمويلاً ضخماً وشراكاتٍ استثمارية لا تزال في طور النقاش.

و من الجانب الاقتصادي ترى خبيرة الطاقة المهندسة نهال منصور أن رفع الأسعار قد يمنح الوزارة سيولة مالية لتأمين الوقود وقطع الغيار اللازمة لتشغيل المحطات، ما يعني عملياً تحسين استقرار الشبكة وتقليص التقنين.

وتضيف: كما أن التسعيرة الجديدة، إذا ما أُديرت بفعالية، قد تجعل القطاع أكثر جذباً للاستثمار المحلي والأجنبي، خاصة في مجالات الطاقة الشمسية والريحية التي تشهد اهتماماً متزايداً.

من الجانب الاجتماعي تقول الخبيرة التنموية ميرنا السفكون أنه رغم ذلك، يواجه القرار حساسية اجتماعية عالية، إذ ستشعر الأسر ذات الدخل المحدود بالضغط فوراً، وصحيح أن الحكومة وعدت بمراعاة هذه الشرائح، لكن الواقع المعيشي المتدهور يجعل أي زيادة في الفواتير عبئاً صعب الاحتمال ما لم تُرافقها سياسات تعويض واضحة.

عدد كبير ممن التقتهم صحيفة الثورة أجمعوا على أن في خطاب الحكومة نبرة واضحة من المصارحة والتغيير في اللغة الرسمية، إذ تنتقل من تبريرٍ بيروقراطي إلى خطابٍ إصلاحي يعترف بالأخطاء السابقة، ويدعو إلى تحمل المسؤولية المشتركة.

لكنهم قالوا: نجاح هذا التحول مرهونٌ بمدى تحقق الوعود الملموسة — من تحسين ساعات التغذية إلى دعم الأجور ومكافحة الفساد داخل القطاع، وهنالك من طالب بالسرعة في تأمين البدائل وتعويض ذوي الدخل المحدود.

وهنا أشارت الخبيرة السفكون إلى أهمية تعويض ذوي الدخل المحدود حتى لا يتحول القرار إلى عبءٍ اجتماعي جديد، مشيرة إلى أنه من الضروري أن ترافقه حزمة إجراءات حماية تستهدف الفئات الأضعف بشكل مباشر وفعّال.

مقترحات للتعويض

أبرز المقترحات لخصتها خبيرة الطاقة منصور مشيرة إلى أهمية توسيع شبكة الدعم النقدي المباشر، واستحداث برنامج “دعم الطاقة للأسر الضعيفة”، إذ يُمنح بموجبه مبلغ شهري رمزي (أو خصم تلقائي على الفاتورة) للأسر التي يقل استهلاكها عن حد معين، بحيث يُموَّل هذا الدعم من جزء من عوائد التعرفة الجديدة.

كذلك، ربط الدعم بمستوى الدخل لا الاستهلاك فقط،

أي اعتماد قاعدة بيانات موحّدة تربط بين دخل الأسرة ومستوى استهلاكها الكهربائي، لضمان أن الدعم يصل فعلاً إلى مستحقيه، وليس إلى من يستهلكون أقل لأنهم يملكون مصادر بديلة للطاقة.

واقترحت توزيع أجهزة موفرة للطاقة بأسعار رمزية:

إطلاق مبادرة وطنية لتوزيع مصابيح LED، وأجهزة تحكم ذكية في الاستهلاك، خاصة للأسر الفقيرة والمؤسسات التعليمية والمشافي، مما يساعد على تخفيض الفواتير بشكل مستدام.

وتطرقت إلى تشجيع الطاقة الشمسية المنزلية الصغيرة، وتقديم قروض ميسّرة أو دعم جزئي لتركيب ألواح شمسية صغيرة على أسطح المنازل، لتغطية جزء من الاحتياجات المنزلية الأساسية (إضاءة، شحن، إنترنت)، خصوصاً في المناطق الريفية.

وللتصدي لما سيرافق القرار من ارتفاع في أسعار بقية السلع، اقترحت رفع الأجور وربطها بتكاليف المعيشة، إذ لا يمكن لأي إصلاح تسعيري أن ينجح من دون إصلاح موازٍ في الأجور، ويجب أن تكون زيادة الرواتب دورية ومؤشّرة على التضخم، بحيث لا تُفقد قيمتها الشرائية بعد أسابيع من صدورها.

كما اقترحت إعفاءات مؤقتة للفئات الأشد ضعفاً، كذوي الإعاقة، والأسر التي تعيلها نساء، والمتقاعدين أصحاب الرواتب المنخفضة، عبر إعفاء نسبي أو تخفيض إضافي في الشرائح الدنيا.

وأكدت على أهمية التدرج في التطبيق والرقابة على التنفيذ، فمن المهم أن يتم تنفيذ القرار على مراحل، مع آلية تقييم ربع سنوية لمراقبة أثره الاجتماعي والاقتصادي، وضبط أي تجاوزات في الفواتير أو الانقطاعات.

أخيراً..

لن نختبىء خلف إصبعنا فالقرار الجديد حول تحديد أسعار شرائح الاستهلاك الكهربائي جاء شديد الوقع على المواطنين، لاسيما وأن الغالبية من ذوي الدخل المحدود وربما ما فاجأهم تقليص الدعم للشريحة المخصصة لهم، واعتبار أن حاجتهم للكهرباء أقل من شرائح أخرى، فيما هنالك أجهزة كهربائية من الثوابت في كل منزل.

لكن في المقابل نستطيع أن نقول إن خطوة الحكومة جاءت لمواجهة المشكلة وإيجاد حل حقيقي، بعيداً عن التأجيل والتسويف في قطاع من أكبر القطاعات وأشدها تماس مع حاجات المواطنين والإنتاج الذي يعتبر عمود الاقتصاد.

ليس خطأ أن تراجع الحكومة بعض حيثيات القرار، وتجعل الكفة في النصف، أو أن تسرع في تحسين الدخل .

 

آخر الأخبار
رئيس الغرف الزراعية: إتاحة المجال لقطاع الأعمال للقيام بالاستثمار والتنمية إدارة منطقة منبج تنفي شرعية ما يسمى بـ " نقابة المعلمين الأحرار " انتهاكات "قسد" المستمرة تهدد بانهيار اجتماعي في الجزيرة السورية "التأمين والمعاش" بحمص ..طابق مرتفع وكهرباء بـ"القطارة" ..! رفع تعرفة الكهرباء بين ضرورات الاستدامة والضغوط المعيشة  مستشفى الصنمين... بين نبض الحياة وغياب القرار! "المستهلك المالي" يحتاج إجراءات مبسطة تناسب المواطن العادي الموجه الأول لمادتي الفيزياء والكيمياء: تفعيل المخبر المدرسي وإدخال "الافتراضي" خروقات "قسد" المستمرة.. انتهاكات بحق المدنيين تتجاوز اتفاق الـ10 من آذار  بعد رفع أسعار الكهرباء.. صناعيون يطالبون بالتشاركية لإنقاذ القطاع  التسوق الإلكتروني.. فرصة اقتصادية أم تهديد للمتاجر الصغيرة؟ تفعيل دور القضاء في السياسات التعليمية  الإصلاح والواقع المعيشي.. خياران أحلاهما مر  أمام  قرار رفع الكهرباء   الربط البري بين الرياض ودمشق..فرص وتحديات اقتصادية  في عالم الأطفال ..  عندما  تصبح الألعاب أصدقاء حقيقين   الأسعار الجديدة للكهرباء تشجع على الترشيد وتحسن جودة الخدمة  تعادل سلبي للازيو في السيرا (A) بايرن ميونيخ يشتري ملعباً لفريق السيدات ميسي يتحدى الزمن ويُخطط لمونديال (2026)  مونديال الناشئين.. (48) منتخباً للمرة الأولى ونيجيريا (الغائب الأبرز)