الثورة – مرشد ملوك :
بعد تصريحات وزير المالية الدكتور يسر برنية المباشرة حول الزيادات المتتالية العامة والنوعية على الرواتب والأجور في سوريا، يترقب عموم العاملين في الدولة، وتترقب فئات محددة هذه الزيادات.. في حال قلب معادلة الإنفاق العام في الموازنة العامة للدولة في سوريا. خاصة التصريح الأخير “بأن الحكومة لن تمول مشروعات يمكن للقطاع الخاص تنفيذها لأن فلسفتنا هي أن يقود القطاع الخاص النمو الاقتصادي والاستثمار.”

كانت معضلة مستحيلة الحل.. !!
في وقت كان الحديث عن هذه الزيادات على الرواتب معضلة مستحيلة الحل وفق آلية صرف المال العام بين الشقين الجاري والاستثماري .
يلح السؤال.. كيف تم هذا التحول المالي لتمويل هذه الزيادات الكبيرة في الرواتب؟
وكيف تمت المواءمة بين الإنفاق الجاري والاستثماري على مستوى الاقتصاد الوطني تحسباً للوقوع في فخ التضخم البغيض؟
في القصة تتبلور أولويات صرف أموال الدولة من خلال توزيع اعتمادات الموازنة العامة للدولة، هو تقليد سنوي معتمد من سنوات طويلة يتم من خلاله تحديد مايسمى الاعتمادات “الجارية” وفيها ضمناً بنود الأجور والرواتب ومصاريف الوزارات والمؤسسات كافة، وبنفس الوقت يتم اعتماد أيضاً ما يسمى الإنفاق الاستثماري العام في أموال الدولة.
التضخم من صناعتنا
لكن من يعود إلى موازنة الدولة الاستثمارية السابقة سيجد أنها كانت مخصصة لتأمين مستلزمات الجهات العامة الإدارية وليس لها أي علاقة بموضوع الاستثمار، وهي بهذه الحالة لاتساهم في كبح جماح التضخم بل تساهم بشكل مباشر في زيادته.. وبالتالي ومن هذا الإنفاق لا رفعنا أجور الناس ولا ساهمنا في تحسين حياتهم ولا أوقفنا غول التضخم بل ازداد أضعافاً مضاعفة.
لأن ما كان يسمى الإنفاق الاستثماري في الموازنة العامة للدولة كان يشوبه الفساد من خلال مشاريع وهمية على الورق فقط، وهذا ما يعني أننا لم نحقق الاستثمار العام الموصف بكلمة “استثماري” في موازنة الدولة ولم نفسح المجال لقطاع الأعمال الحقيقي لأن يستثمر في البلاد، بل تم إتاحة المجال لأقزام المال السياسي لأن يتسيدوا الاستثمار الخاص وقطاع الأعمال برمته، وبالتالي عاشت البلاد بدون استثمار عام ممول من موازنة الدولة ولا استثمار خاص حقيقي، فغابت التنمية وضاع النمو، وهذه البيئة كانت مناسبة لتصاعد التضخم .
على الورق كل على ما يرام
مالياً.. في نصوص القوانين وفي المجالس وعلى الورق كل شيء على ما يرام.. وهذا ما كان يقوم فيما كان يسمى “المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي” والذي كان يحضره كل أطياف المجتمع الاقتصادي السوري الممثل بالنقابات والمنظمات الاقتصادية.. والغاية والهدف أن يقوم قطاع الأعمال بدور رئيسي في المساهمة باستثمارات البلاد.. لكن شيئاً من ذلك لم يقم لأنها كانت مسرحية مجرد حالة شكلية للعرض الإعلامي فقط.
اليوم دخلت “المالية العامة” في سوريا بإدارة الوزير برنية في فلسفة عمل اقتصادية مختلفة جذرياً.. وهو الخبير القادم من صندوق النقد العربي والمشهود له بالكفاءة العالية والنزاهة..

أموال الدولة لموظفيها
يقول رئيس اتحاد الغرف الزراعية السورية – وهو أحد المنظمات الاقتصادية المعنية بدعم الاستثمار الزراعي – بأن توجه “المالية العامة” يقوم ببساطة على ترك الاستثمار في البلاد لقطاع الأعمال الداخلي والخارجي بشكل حقيقي..
وبالتالي فإن المجال متاح لأن تصرف الدولة أموالها على موظفيها رعاة هذا الاستثمار القانوني والإداري.
وبالتالي دخلنا في حالة الإنفاق المالي غير التضخمي… حتى لو أنفقنا الموازنة العامة للدولة بكاملها لموظفي الدولة. لأن المكافئ الاستثماري يعطي الإنفاق الخاص ورعايته من المال العام البعد الاقتصادي غير التضخمي.
الأمر الذي أتاح إمكانية الزيادة الأولى للرواتب بنسبة ٢٠٠ % والدخول في الزيادة النوعية للقضاة وتالياً للمعلمين والعاملين في القطاع الصحي.
كان الواضح تماماً أن الاستثمار العام والخاص والمال المحلي في سوريا يدور في “حوجلة فارغة” واليوم جاء انفتاح الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يقلب معادلة أي اقتصاد اذا تم تهيئة المناخ المناسب له، لكي لايبقى مهرجانات إعلامية ذات الوقع المعنوي فقط.