الثورة -رزان أحمد
لم يعد التسوق رحلةً تستدعي الخروج من المنزل أو التجول في الأسواق كما كان في السابق. فبكبسة زر واحدة، أصبح بإمكان أي شخص شراء ما يحتاجه من أي مكان في العالم، لتصل بضائعه إلى باب منزله خلال أيام، وأحيانا ساعات.
هذه الثورة الرقمية في عالم التجارة لم تكتفِ بتغيير عادات المستهلكين، كما يشير الباحث الاقتصادي ورئيس مجلس النهضة السوري عامر ديب في حديثه لـ الثورة بل امتدت آثارها إلى بنية الاقتصاد المحلي، لتعيد رسم خريطة العرض والطلب وسلوك الإنفاق، حيث بات التحول الرقمي وتأثيره على الأسواق المحلية واضحا، مبينا أن التسوق الإلكتروني اليوم لم يعد ترفاً أو خياراً إضافياً، بل أصبح جزءاً من دورة الحياة الاقتصادية.
فقد أدى إلى زيادة في حجم الإنفاق الاستهلاكي الكلي عبر فتح قنوات شراء جديدة، وإتاحة سلعٍ من خارج الحدود بسهولة غير مسبوقة.
هذا الانفتاح الواسع أسهم في تحسين انسيابية البضائع وتوسيع نطاق المنافسة، لكنه في الوقت نفسه خلق ضغطاً على الأسواق التقليدية ورفع من مستوى التفاوت بين التاجر الإلكتروني وصاحب المتجر الصغير.
ففي حين أن المتجر الإلكتروني لا يتحمل أعباء الإيجار أو فواتير الطاقة والعمالة، يبقى التاجر التقليدي مكبّلا بتكاليف مرتفعة وبثباتٍ في الطلب.
وفي هذا السياق يقول السيد لؤي، صاحب محل للملابس في أحد أسواق دمشق القديمة:
“الناس اليوم تفضّل الشراء عبر الهاتف. حتى الزبائن الذين كانوا يزورون المحل لمعاينة البضاعة، باتوا يكتفون بالصور والعروض على الإنترنت، نحن نحاول فقط الحفاظ على القليل من الزبائن الدائمين”.
وحول انعكاس التسوق الإلكتروني على التضخم وسلوك المستهلك، يرى الخبراء أن توسع التجارة الإلكترونية أسهم في كبح بعض مظاهر التضخم من خلال المنافسة السعرية الواسعة، إذ بات المستهلك قادراً على مقارنة الأسعار في ثوانٍ واختيار الأرخص والأكثر جودة.
لكن من جهة أخرى، أدى الطلب العالي على الشحن والخدمات اللوجستية إلى زيادة تكاليف النقل في بعض الأسواق، مما انعكس على أسعار السلع محلياً.
وحسب رأي الخبير عامر ديب فإن التحول الرقمي في التجارة لا يمكن إيقافه، لكنه يحتاج إلى توجيه ذكي يضمن العدالة بين الأطراف، وبالتالي المطلوب هو وضع سياسات دعم وتدريب للمتاجر الصغيرة وتشجيعها على إنشاء حضور إلكتروني فعّال يربطها بالأسواق الحديثة.
ومع ذلك لا يمكن الحديث عن تجارة إلكترونية حقيقية دون تهيئة البنية التحتية للاتصالات والإنترنت، فالواقع الراهن يشهد تراجعاً كبيراً في جودة الخدمة وسرعة الشبكات، ما يشكل عقبة رئيسية أمام أي تحول رقمي فعّال ومستدام.
التجارة الإلكترونية بين التهديد والفرصة
وتابع ديب، على الرغم من التحديات التي تواجه المتاجر الصغيرة، لحظ أن التجارة الإلكترونية تمثل فرصة للنمو وليست خطراً، إذ يمكن تحويل صفحات بسيطة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصات بيع ناجحة دون تكاليف باهظة، فالمسألة لا تتعلق فقط بالتقنية، بل بقدرة التاجر على التكيّف مع المتغيرات والانخراط في الاقتصاد الرقمي الجديد.
الواقع الجديد للأسواق
حيث لم يعد التسوق الإلكتروني ظاهرة عابرة، بل أصبح ركيزة في بنية الاقتصاد العالمي، تتقاطع آثاره مع معدلات التضخم، وحركة السلع، وأنماط الإنتاج. وفي ظل هذا التحول، تبدو المتاجر الصغيرة أمام خيارين: إما أن تواكب العصر وتتحول رقمياً، أو تكتفي بذكريات زمنٍ كانت فيه الأسواق تضجّ بالزوّار، قبل أن تنتقل الحياة الاقتصادية إلى شاشة صغيرة بحجم الهاتف.
 
			
