الثورة – عدي جضعان:
في رقعة جغرافية تشهد على عراقة التاريخ، تتحول مدن وقرى الجزيرة السورية اليوم إلى سجن كبير مفتوح، يُدار بقبضة من حديد ونار تحت مسمى قوات “سوريا الديمقراطية” (قسد).
لقد بددت “قسد” وعود الاستقرار، لتخلف وراءها واقعاً أشد قتامة؛ حيث أصبح المواطن في الحسكة ودير الزور والرقة، رهينة لسلطة ترفع شعارات “الديمقراطية” وتُمارس أعتى أشكال الاستبداد والانتهاك المنظم، إنها ليست مجرد تجاوزات عابرة، بل هي سياسة ممنهجة لتفريغ المنطقة من أهلها، وتغيير هويتها، وسرقة خيراتها.
ميليشيا تسعى للتغيير الديمغرافي
في حديث للثورة، يشير المحلل السياسي محمد سليمان، المختص في الشأن السياسي السوري والباحث في مركز جسور للدراسات وهو من أبناء منطقة دير الزور ، إلى أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تُصنَّف عملياً كـفاعل ما دون الدولة وتُدير المنطقة بنظام ميليشياتي.
ويوضح سليمان أن هذا التصنيف يفسّر استمرار وتصاعد الانتهاكات بحق المدنيين، حيث يغيب الوجود الفعلي لـقوة حكومية رسمية منضبطة قادرة على محاسبة أفراد هذه الميليشيا وتحمّل مسؤولية تصرفاتهم، مضيفا أن الجزيرة السورية تشهد حالياً تصعيداً ممنهجاً في الانتهاكات الأمنية والعسكرية، هدفها الأبرز هو الهجرة القسرية ودفع السكان المحليين إلى ترك منازلهم وأراضيهم تحت وطأة الخوف والاضطهاد.
وهذا التسارع في الانتهاكات هو أيضاً أداة لإبقاء السكان تحت ضغط دائم، مما يمنع نشوء أي مقاومة شعبية منظمة يمكن أن تُحرِج “قسد” دولياً أو تُطالب صراحة بعودة مؤسسات الدولة السورية الرسمية.
صراع الأجندات
وفي سياق التعاطي مع الحلول السياسية، يضيف سليمان أنه على الرغم من توقيع “اتفاق 10 مارس” الذي يهدف إلى الحلول السياسية والأمنية وصولًا إلى الاندماج الكامل وعودة السيطرة الحكومية، فإن هذا الاتفاق لا يوقف الانتهاكات الجارية بسبب سلوكيات “قسد” وسيطرتها العسكرية الفعلية على الأرض وكل طرف يستغل عامل الوقت كورقة تفاوضية، دمشق تراهن على الحل السلمي عبر مسار زمني محدد، بينما قسد تسعى جاهدة لإقناع قواعدها بأنها البديل الحقيقي، وتُشيع رواية فشل الحكومة السورية، وتُعوّل على استمرار الدعم الغربي طويل الأمد.
ويشير سليمان إلى أن “قسد” تواصل تسويق مبررات واهية أمام المجتمعين المحلي والدولي لتبرير انتهاكاتها، أبرزها محاربة الإرهاب وحماية سجون داعش، وهو تناقض صارخ في ظل تصنيفها هي نفسها ككيان إرهابي على عدة مستويات.
ترفض التسوية وتستعد للمواجهة
وفي سياق متصل بتعقيدات المشهد، أدلى مصدر محلي مطّلع من المنطقة الشرقية، فضل عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، بتصريحات تكشف عن وجود تيارات داخلية قوية ضمن صفوف “قسد” ترفض أي عملية اندماج أو تسليم للسلاح، الواقع على الأرض لا يمثل تيار مظلوم عبدي وحده، فهناك تيارات كثيرة داخل ‘قسد’ لا تريد التفاهمات على الإطلاق، والدليل هو استمرار سياسة العسكرة المتمثلة في حفر الأنفاق والقتل والخطف والقصف وأكد المصدر للثورة أن المماطلة هي التكتيك الرئيسي، موضحاً: “كل ما تفعله قسد اليوم هو المماطلة، وهم ينتظرون ‘انقلاب الآية’ على غرار ما حدث في أحداث الساحل، بغية إعادة السيطرة على المزيد من المناطق.
وسلط المصدر الضوء على الأدلة الملموسة لهذا الاستعداد العسكري، حيث كشف عن وجود تحصينات عسكرية مكثفة في منطقة دير حافر، وحفر أنفاق متواصل تمتد من شرق حلب إلى الطبقة وصولاً إلى منطقة سد تشرين، بالإضافة إلى عمليات زرع الألغام.
وقدم المصدر أمثلة محددة على استهدافات “قسد” المباشرة في هجمات حديثة تمت قبل يومين حيث تم قتل عنصرين من الجيش السوري في محيط سد تشرين بصاروخ موجه”، وقبل نحو 15 يوماً “تم تنفيذ عملية تسلل عند دير حافر، أسفرت عن مقتل اثنين من الجيش السوري الجديد وهما من أهالي مدينة مارع، وأشار المصدر إلى وفاة شخصين قبل شهر في منطقة القيارية جنوب الخفسة عند خطوط التماس في منطقة دير حافر، لافتاً إلى صمت الدولة السورية عن هذه الاستهدافات.
واختتم المصدر بالتأكيد على أن الدعم الفرنسي والأمريكي هو ما يُشجّع “قسد” على الاستمرار في هذا المسار العسكري الرافض للتسوية.
في ضوء التطورات الميدانية والتحليلات السياسية وشهادات الأهالي، يظل المشهد في الجزيرة السورية مفتوحاً على خيارات التصعيد الميداني أو الانهيار الاجتماعي.
إن استمرار “قسد” في نهجها الميليشياوي، المدعوم خارجياً، ورفضها الانخراط الجدي في مسار الحل السياسي، يحوّل المنطقة إلى برميل بارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة.
 
			
