الثورة – مها يوسف
يشكل قرار رفع تعرفة الكهرباء في سوريا محطة جديدة في مسار الإصلاح الاقتصادي، وفي إصلاح قطاع الكهرباء والطاقة.
القرار جاء في إطار خطة حكومية لإعادة هيكلة القطاع وتحسين كفاءته التشغيلية، وهذا يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول قدرته على تحقيق التوازن بين متطلبات الإصلاح المالي وعدالة التكلفة الاجتماعية، ومدى واقعية الوعود بتحسين الخدمة مقابل ارتفاع الأسعار.

نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة حمص، والباحث في المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية IIASA في فيينا سابقاً، الدكتور زكريا الزلق، أوضح لصحيفة الثورة، أن رفع تعرفة الكهرباء في سوريا، يهدف بالأساس إلى إنقاذ المنظومة الكهربائية من الانهيار وتحقيق استدامتها، مشيراً إلى أن نجاح القرار يعتمد على تنفيذ الإصلاحات الموعودة وتحقيق العدالة الاجتماعية في التطبيق.
وبيّن الزلق أن القطاع الكهربائي يعاني من خسائر مالية سنوية ضخمة، تُقدر بنحو مليار دولار، وهو لا يهدد استمرارية الخدمة، ويجعل من الإصلاح المالي ضرورة لا خياراً.
جوانب إيجابية
وأشار إلى أن القرار يأتي ضمن خطة وطنية لتطوير البنية التحتية وزيادة القدرة الإنتاجية وتحسين شبكات النقل والتوزيع، بهدف رفع كفاءة الأداء العام، وجعل القطاع أكثر استقراراً واستدامة. كما يهدف إلى تحقيق قدر من العدالة في التوزيع من خلال تطبيق شرائح سعرية تراعي مستويات الاستهلاك والدخل، مع الإبقاء على دعم محدودي الدخل في حدود الاستهلاك الأساسية.
ويرى الزلق أن لهذه الخطوة جوانب إيجابية محتملة، من بينها إمكانية تحسين استقرار الشبكة وزيادة ساعات الوصل الكهربائي، إضافة إلى التوسع في تركيب العدادات الذكية التي تساهم في ضبط الاستهلاك والحد من الفاقد الفني والتجاري، وهو ما سينعكس في النهاية على جودة الخدمة المقدمة للمواطنين. كما أن جزءاً من العوائد المتوقعة سيُوجّه لتحديث وصيانة الشبكات والمحطات بما يضمن استمرارية المنظومة على المدى الطويل.
تحذير من آثار سلبية
لكن في المقابل يحذر الدكتور الزلق من أن القرار سيترك آثاراً سلبية ملموسة ما لم يُنفذ في إطار متوازن، إذ إن الأسر ذات الدخل المحدود والمتوسط قد تواجه فواتير تتجاوز قدرتها الشهرية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي، وخاصة أن بعض الصناعات الصغيرة والمحال التجارية تعتمد على الكهرباء المنزلية في تشغيلها، ما سيدفعها إلى رفع الأسعار ونقل العبء مباشرة إلى المستهلك.
ويشير إلى أن المقارنة مع النسب العالمية توضح حجم الفجوة القائمة، ففاتورة الكهرباء في معظم الدول تمثل بين 2% و10% من الدخل، بينما تصل في سوريا حالياً إلى نحو 25% من راتب الموظف المتوسط، أي أن فاتورة بحدود 250 ألف ليرة سورية تشكل ربع الدخل الشهري تقريباً.
الأكثر تضرراً
ويرى أن الفئة الأكثر تضرراً من القرار هي الموظفون والعاملون في القطاع العام، لأن مصادر الدخل الأخرى”مثل المشاريع التجارية أو الخاصة” قادرة جزئياً على التكيف مع الزيادة من خلال رفع الأسعار أو تعديل هامش الربح. أما المواطن العادي الذي يعتمد على راتبه الثابت، فسيكون الأكثر تأثراً بارتفاع التعرفة.
ويضيف الزلق :إنه لقياس نجاح هذا الإجراء، يجب النظر إلى نسبة تكلفة الكهرباء من الدخل، فالوصول إلى توازن حقيقي يعني أن يكون الحد الأدنى لراتب الموظف في سوريا بحدود مليونين ونصف إلى ثلاثة ملايين ليرة سورية، أي ما يعادل نحو 300 دولار، وهو المستوى الذي يمكن عنده القول إن الدخل بدأ يواكب تكلفة المعيشة ضمن المعدلات العالمية.
ويأمل الزلق أن ترافق القرار إجراءات فعلية لتحسين مستوى المعيشة والدخل، بحيث تتحول هذه الخطوة إلى جزء من إصلاح اقتصادي شامل لا مجرد عبء إضافي.
لا يمكن الفصل
واختتم الزلق بالتأكيد على أن الإصلاح المالي لا يمكن فصله عن إصلاح ضريبي وإنتاجي متكامل، بحيث يتحمل التاجر والصناعي نسباً عادلة من الأعباء بما يتناسب مع أرباحهم، بدلاً من أن يقع العبء الأكبر على المواطن العادي، مشدداً على ضرورة أن تُطرح التعرفة الجديدة ضمن خطة اقتصادية متوازنة تترافق مع ضبط الضرائب، وزيادة الرواتب، ووضع سياسات واضحة تضمن أن يكون المنتج الصناعي والتجاري شريكاً في تحمل التكلفة، لا مستفيداً من رفع الأسعار على حساب المستهلك.
 
			
