الثورة – رفاه الدروبي:
وقَّع أحمد رزق حسن كتاب “قلب لعشاء الشُّركاء” في ثقافي أبي رمانة، بعد ندوة إضاءة على الكتاب شارك فيها الكاتبان: سمير المطرود وداوود أبو شقرة، بإدارة الكاتبة رنا علي، والكتاب صادر عن دار العرَّاب بدمشق، يحمل بين دفتيه نصاً مسرحياً مؤلفاً من ١٠٢ صفحة من القطع المتوسط.
الكتاب
كتب الناقد المسرحي جوان جان على الغلاف الخلفي للمسرحية: “ينتمي هذا النص المسرحي إلى ما يمكن أن نُسمِّيه “المسرح الاجتماعي” الذي يطرح قضايا مرتبطة بالحياة اليومية في المجتمعات العربية، حيث تتفاقم مشكلات لها أبعاد اقتصادية وأخلاقية عكسها النص عبر مجموعة من الشخصيات، التي تتضارب مصالحها إلى حدود تجرُّدها من إنسانيتها، وتحوّلها إلى وحوش كاسرة همها الأول تدمير أعدائها وتحقيقاً لمصالح آنية.
حملت مقدمة المسرحية مقولة للكاتب الروسي نيقولاي غوغول: “ليس المسرح وسيلة لإضاعة الوقت.. إنَّ بإمكانه أن يجعل حشداً من الناس تعدادهم خمسة آلاف أو ستة آلاف لا رابط بينهم، يرتعد بالحدث ذاته، ويذرف الدموع ذاتها، ويضحك الضحكة ذاتها. إنَّه منبر يمكن أن يأتي بخبر عظيم”.
العنوان إشكالي
الكاتب سمير المطرود أشار إلى أنَّ الكاتب حاول في الصفحة الأولى أن يضعنا في موضع التعليم، حين يذهب بنا إلى تأكيد وظيفة المسرح ورسالته، وأنَّنا كمتلقين نخضع لشروط خاصة يريدها، كي تصلنا الرسالة التعليمية للمسرحية، كما وضع شروطاً افتراضية خاصة يريدها وفرضها علينا كمتلقين، وجعلها تدور في فلكها بعد أن وضع نفسه موضع المعلم الأخلاقي، وصادر من القرَّاء مساحة الحرية كونه يمكن أن يحرِّك الخيال لديهم كي يساعدهم على التفكير في المآلات، ومنذ اللحظة الأولى أدخلهم في دوامة حين أطلق العنوان الإشكالي “قلب لعِشاء الشركاء”، متسائلاً عن قصده بمفردة عشاء ترى هل تكون بفتح العين أو كسرها، وهناك بون شاسع بين اللفظتين فالأولى ترتبط بالزمن، وتعني أول الليل، والثانية ترتبط بالمكان، باعتباره يتمُّ فيه تناول طعام العشاء..
فأي المعنيين قصد؟ خاصة أنَّ المسرحية تتناول قضايا مرتبطة بالحياة اليومية في المجتمعات العربية القائمة أساساً على الجوانب الاقتصادية، كذلك عمد الكاتب إلى تعرية المجتمع حين كشف عند ضحالة البعد الأخلاقي عند معظم الشخصيات في المسرحية، وجعلنا نلامس بعض الصفات السيئة لدى الشخصيات عندما تتوحش في سبيل تحقيق الانتصار على الآخر، وكأن كلَّ واحد منها يُمثِّل قطباً فاعلاً.
لغة المسرح عالية
الكاتب داود أبو شقرة رأى أنَّ المسرح حياة مصغَّرة ويعبِّر عن تاريخ العالم وفلسفاته أيضاً، والدليل على ذلك أنَّنا عندما نقرأ تاريخ العالم وفلسفاته سنقرأ المسرحيات وما كتبه المسرحيون، فالشعوب تحتفي بالكاتب الجديد لأهميَّة المسرح ولأنَّه يُغيِّرهم. ويقاس تقدم المجتمع بثقافته وتقدم الثقافة يُقاس بالمسرح.
وكان العرب يحتفون بمولد شاعر لأنَّهم افتقدوا في مرحلة ما ضرباً من الثقافة أو اعتبروها تشبه الأساطير الأوروبية وربَّما الملاحم فتأخروا كثيراً، مبيِّناً أنَّ الأدب يشرح ولا يطلق الأحكام؛ بل يترك للقارئ والمتلقي أن ينضج من خلال الأدب ذاته ليطلق رأياً، وكان يتوجب على الكاتب أن يطلق مجموعة من المنولوجات الداخلية لدى شخصية “جوى” لتكشف من خلال وعيها عن حقيقة الإنسان وليس الانتماء الطبقي؛ بل حوارها مع ذويها ما خلق لدينا دراما موازية للدراما التصارعية في الحبكة.
كما أنَّ لغة الحوار لم تكن متوائمة مع الحدث وتناميه لأنَّ الكاتب لم يمسك بتلابيب إدارة اللعبة وإنَّما باللغة كونها تسحر أو بمثابة الروح للشخصيات، وبدونها كأنَّنا تماثيل على المسرح، لكنَّ اللغة كانت أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى، كذلك اتجه الكاتب إلى النسق العامي فابتعد عن آلية التفكير لدى المتلقي لأنَّ المسرح لغته أعلى من الشعر وله دلالات موحية ومعرفية، لذا لابدَّ من وضع العاطفة جانباً.
الخروج عن النمطية
بدوره الكاتب أحمد رزق حسن بيَّن أنَّ المسرحية كتبها بعد ثلاث مجموعات قصصية، ووجد نفسه أنَّه بحاجة إلى استبدال الشخصية النمطية عندما كان يسردها في كتابة القصة، فبدأ البحث في المسرح، وعندما طرقت مخيلته الفكرة جعلته يقف عاجزاً أمام الشخصيات الدائرة فيها فتمرَّدت عليه، ثم تجسَّدت أمامه وأصبحت تريد أن تحاور وتناقش وتدافع عن آرائها ومواقفها.