اللاذقية – ابتسام هيفا:
في الوقت الذي كنا نشعر بالظلم والحرمان من أدنى حقوقنا أيام النظام البائد، كان يطل علينا ابن جبلة الناشط أحمد إبراهيم إسماعيل بفيديوهات يخاطب بها الرئيس المخلوع، متحدثاً بلسان كل مواطن سوري، ينتقد فيها سوء المعيشة والغلاء وانتشار الفساد، وبدلاً من أن يسمع صوته تم اعتقاله وزجه في السجن.
صحيفة الثورة التقت مع المعتقل المحرر أحمد إبراهيم إسماعيل متحدثاً عن رحلة اعتقاله: بعد انتشار الفيديوهات على صفحتي، وعلى بعض المحطات، كتلفزيون الجزيرة، أرسلت لي جمعية العرين التي كانت تتبع لزوجة الرئيس المخلوع ضابطاً ليتفاوض معي، وأخبرني بأنهم مستعدون لتلبية جميع طلباتي وتقديم “بيت- وراتب مدى الحياة لأولادي” مقابل إسكاتي عن قول الحق وكانت إجابتي بأنني لن أبيع مواقفي.
وبسبب عدم قبولي العرض، أخبرني قريب لي بأن الأمن العسكري يسأل عني، خفت على عائلتي وكتبت منشوراً على صفحتي “فيسبوك” وقلت إنني سأتوقف عن النشر.
يوم الاعتقال
في صباح 20-7-2023 جاءني اتصال من مدير الحراج في مدينة جبلة، حيث أعمل، وطلب مني الحضور حينها تخيلت الموقف أن الأمن بانتظاري، فأخبرت زوجتي بالأمر وتركت هاتفي المحمول مع ابنتي، وطلبت منها بحال عدم عودتي أن تخبر عن اعتقالي عبر صفحتي الشخصية.
وأضاف إسماعيل: عندما وصلت إلى مكتب مدير الحراج كان بانتظاري عدد من الأشخاص وأخذوني إلى قسم جبلة، وسألني أحدهم عن جوالي، فأخبرته إنني تركته في المنزل، فقاموا بإرسال شخص لإحضاره، وبهذه الأثناء أطلت ابنتي بفيديو تحدثت به عن اعتقالي، انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتعرضت للضرب والتهديد في قسم جبلة، وفي نفس اليوم نقلوني إلى سجن اللاذقية وهناك حققوا معي خلال ثلاث ساعات أربع مرات من قبل أربعة أشخاص.
في اليوم الثاني أحضروا سيارة كتب عليها “مكافحة الإرهاب” صعدنا إليها أنا وبعض المساجين، وكانت يداي مقيدة وراء ظهري، ونحن في طريق السفر أجرى أحد أفراد الأمن العسكري المرافق لنا مكالمة هاتفية يسأل فيها عن عنوان المربع الأمني، فعرفت أننا في طريقنا إلى دمشق وعند وصولنا استقبلني الضابط المحقق وأخبرني أن ابنتي قامت بنشر فيديو عن اعتقالي ومحطة الأورينت قامت بنشره.
السجين رقم
بعد التحقيق معي ساقوني إلى غرفة منفردة تحت الأرض مساحتها نصف متر، وفيها حفرة للصرف الصحي كنت أشرب منها عند العطش، بقيت فيها عدة أيام أجلس وأنام بوضعية الجنين لصغر مساحتها، وبعد عدة أيام تم نقلي إلى مهجع يحوي عدداً من المساجين، منهم الناشط أيمن فارس، وهناك بقيت سنة وأربعة أشهر، وكانوا ينادوننا بأرقام بدل الأسماء كان رقمي 706.
في هذا المهجع كانت رحلة العذاب، تعرضت مع رفاقي للقهر والظلم وأصبنا بالأمراض لعدم رؤيتنا لأشعة الشمس وانتشر القمل بأجسادنا، وبعد عدة أيام طلبت للتحقيق، وسألني المحقق من وراءك، فأخبرته بأن عدة أشخاص حاولوا إسكاتي مقابل مبالغ مالية في مدينتي جبلة، ومن خارج سوريا لكنني رفضت المساومة، وأخبرني أن التهم الموجهة لي هي النيل من مقام الرئاسة، والتحريض والإساءة لمؤسسات الدولة وبصمت على ذلك.
وأضاف إسماعيل: السجانون تعاطفوا معي ومع رفاقي وأخبرونا بأننا سجناء تابعين لزوجة الرئيس المخلوع، ولا أحد يتجرأ على تبرئتنا وإخراجنا من السجن، لأننا نتبع لمكتب خاص بنا في القصر الجمهوري.
يوم التحرير
قبل يوم التحرير بأربعة أيام جاء سجين شامي إلى المهجع وأخبرنا أن حلب تحررت، وفي يوم 8-12 يوم التحرير سمعت صوت إطلاق نار في المربع الأمني وأصوات تكبير قريبة منا، قمت بفتح طاقة الباب رأيت شخصاً قال: إنه من الجيش الحر، وأخبرني أن دمشق تحررت، وطلب مني أنا من رفاقي أن ننبطح وبدأ بإطلاق النار على الباب كي يتم فتحه لنا.
خرجت إلى الشارع هناك تجمهر الناس محتفلين والنساء تزغرد وأعطونا الماء والتمر، ورأيت شخصاً في الشارع أخبرته إنني خرجت للتو من المربع الأمني، وأريد الذهاب لمنزل أهلي في حرستا، فأعطاني بعض النقود وذهبت، بقيت أسبوعاً في دمشق، وتواصلت مع هيئة تحرير الشام في جبلة، وفي يوم وصولي إلى مدينتي جبلة أعدوا لي حفل استقبال وكان بانتظاري عائلتي وأهل مدينتي المحبين.
ويختم أحمد إسماعيل: سنة وأربعة أشهر أمضيتها في سجن النظام البائد تعرضت لشتى أنواع الظلم والقهر والضرب والعذاب النفسي، كنا نسمع أصوات أشخاص يتم تعذيبهم بالكهرباء، وصوت أشخاص يضربون، خبطاً على الأبواب، وحرمنا من الضوء والشمس، وعانينا من الجوع والعطش والمرض، ولكنني غير نادم على كلمة حق قلتها، لأن الوطن أغلى وأكبر من أي عائلة وأي اسم.
#صحيفة_الثورة