الثورة- منذر عيد:
مع احتدام الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، لجأت الأخيرة إلى اعتماد مادة فول الصويا كأحد الأسلحة الاقتصادية المستخدمة في معاركها، خاصة وأن بكين كانت تستورد نحو 60 بالمئة من إنتاج فول الصويا الأمريكي قبل اندلاع الحرب التجارية بينهما.
وتُعتبر ولايات إلينوي، أيوا، مينيسوتا، وإنديانا، من أبرز المناطق الزراعية التي تنتج فول الصويا، ويبدأ فيها موسم الحصاد عادة بعد تلقي المزارعين طلبات من الصين في أيلول من كل عام، وفي الأعوام السابقة، كانت الطلبات الصينية تعد مؤشراً واضحاً على حجم التبادل التجاري، حيث بلغت مشتريات الصين من فول الصويا ما يزيد على 12 مليار دولار خلال عام 2024، وهو رقم يُظهر حجم الاعتماد الأميركي على السوق الصينية، إذ كانت تلك الصادرات تمثل حوالي 50 بالمئة من الصادرات الزراعية الأميركية.
لكن الأمور تغيّرت بشكل جذري هذا العام، فبحسب بيانات وزارة الزراعة الأميركية، تراجعت مبيعات فول الصويا إلى الصين في أيلول هذا العام، وهو انخفاض حاد يعكس سياسة العقوبات أو المقاطعة التي تبنتها بكين.
وذكرت صحيفة «فوربس» أن الصين بدأت تخفيض وارداتها تدريجياً، وبعدما كانت تُعدّ أكبر مستورد للفول الصويا، أصبحت الآن تتجه نحو مصادر بديلة، خاصة الأرجنتين والبرازيل، حيث اشترت الصين في شهر آب 290 مليون بوشل (بوشل فول الصويا = 27،2 كغ) من البرازيل، محققة رقماً قياسياً شهرياً بحصة بلغت 85 بالمئة من إجمالي صادرات فول الصويا البرازيلية، وفقاً لشركة التوريد الوطنية البرازيلية «كوناب»، وهي وكالة تهتم بإحصاءات وإمدادات الغذاء في البلاد، كما زادت البرازيل إنتاجها من فول الصويا من 4،5 مليارات بوشل إلى 6،3 مليارات بوشل بين موسمي 2017-2018 و2024-2025.
حجم الضرر الذي لحق بالجانب الأميركي ومتوقع أن يتفاقم، بدا جلياً في تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي قال: “إن الصين تحاول أن تلعب معنا لعبة الأرض النادرة، لكن علينا ألا نسمح بذلك”، وأضاف أن “موقفنا هو حماية مصالحنا الزراعية، وإذا لم يعاودوا شراء فول الصويا، فإن ذلك سيضر بمزارعينا بشكل كبير”، وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستقوم بفرض رسوم جمركية على البضائع الصينية، مشدداً على أن رفع هذه الرسوم مرتبط بنية بكين استئناف الشراء والتقليل من استغلال موارد الأرض بشكل مفرط.
معاناة المزارع الأميركي ليست بالقليلة جراء توقف الصين عن استيراد فول الصويا، وهو ما يظهر من خلال توقعات بحدوث خسائر تقدر بـ 2 مليار دولار إذا استمرت التراجعات الحالية، كما أن انخفاض الطلب من الصين سينعكس أيضاً على الصناعات المرتبطة، مثل شركات تجهيز فول
الصويا والمعالجة، التي تعتمد بشكل كبير على السوق الصينية.
تعكس الأرقام والتصريحات أن فول الصويا ليس مجرد مادة غذائية، بل هو ورقة تفاوض ورمز للأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للصراع بين أميركا والصين، ومع استمرار التوترات ستظل أسواق الحبوب والعقود الآجلة تتأثر، وسيبقى مستقبل فول الصويا الأميركي في الحرب التجارية مرهون بنتائج المفاوضات المقبلة بين واشنطن وبكين، ومدى قدرتهما على التوصل إلى تفاهم ينهي هذه الأزمة ويعيد التوازن إلى أسواق العالم.