الثورة – سامر البوظة:
عقب سقوط النظام المخلوع، في الثامن من كانون الأول، العام الماضي، لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية الأراضي السورية، في انتهاك سافر لكل القوانين والأعراف الدولية، لمحاولة فرض واقع عسكري جديد تحت حجج وذرائع واهية، وعلى الرغم من كل الجهود التي تقوم بها الدولة السورية لاحتواء التصعيد والاستفزازات الإسرائيلية، إلا أن كيان الاحتلال يصرّ على المضي في مشاريعه التوسعيّة والاستعمارية متحدّياً بشكل فاضح كل القوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة, ومتجاهلاً كل النداءات الدولية التي تحذّر من المضي بهذه الإجراءات الاستفزازية التي تزيد من التوتّر وحالة عدم الاستقرار في المنطقة.
اعتداءات متكررة
الاحتلال الإسرائيلي لم يكتف بالاعتداءات المتكررة على الجيش السوري، بل يواصل يومياً انتهاكاته عبر التوغلات المستمرة داخل الأراضي السورية بشكل مكثّف على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، خاصة في قرى القنيطرة مثل جباتا الخشب وكودنة وتل الأحمر وصيدا والرفيد وبريقة وطرنجة والصمدانية وغيرها من القرى القريبة من المناطق الحدودية, وذلك عبر قضم المزيد من المساحات والأراضي بالإضافة الى إنشاء نقاط مراقبة وحواجز تفتيش للتضييق على الأهالي. وبحسب سكان محليين فإن هذه الممارسات لا تتوقف عند هذا الحدّ بل تترافق مع عمليات ترهيب واعتقالات وتهجير قسري للسكان الأصليين من منازلهم وقراهم, بهدف تغيير تركيبة المنطقة الديموغرافية والسكانية, الأمر الذي قوبل باستياء ورفض قاطع للأهالي لهذه الممارسات, وهو ما ظهر بشكل واضح من خلال الاحتجاجات المستمرة ورفض “المساعدات” الإسرائيلية وسط مطالبات ملحة بضرورة التدخل الدولي العاجل للضغط على حكومة الكيان لوقف تلك الممارسات والاعتداءات والالتزام باتفاقية فض الاشتباك عام 1974 والانسحاب من كافة الأراضي السورية التي احتلتها إسرائيل مؤخراً.
تصعيد متدرّج
المحلل السياسي مصطفى النعيمي، أكد في هذا السياق، أن التوغلات الإسرائيلية الأخيرة التي جرت في الجنوب السوري بشكل عام تأتي في سياق التصعيد المتدرج الذي تقوده “تل أبيب” تجاه المتغير في سوريا وذلك بعد خسارتها لما يسمى ” ممر داوود “.وفي حديث لصحيفة الثورة، أوضح النعيمي أن إسرائيل تحاول من خلال تغذية بؤر التوتر في الداخل السوري أن يتاح لها موطئ قدم من خلال استثمار هذا التوتر، وبالتالي خيارات “تل أبيب” تنحسر تدريجياً نظراً لأن سياستها العدائية تجاه سوريا مرفوضة محلياً وإقليمياً ودولياً. وأضاف النعيمي، أن إسرائيل تحاول تصدير أزماتها الداخلية عبر الاشتباك الإقليمي، ونتنياهو يدرك بأن ساعة الحقيقة قريبة، لذلك يحاول التشويش على مسار المحاكمة من خلال افتعال الأزمات في الجنوب السوري، مشيراً إلى أن السياسة الخارجية السورية كانت متوازنة تجاه ” تصفير العداء ” مع المنظومة الدولية بشكل عام ومع الجانب الإسرائيلي بشكل خاص، ووجهت عدة رسائل بأننا ملتزمون باتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974, لكن تل أبيب تصرّ على التصعيد. وعن الحراك السياسي والدبلوماسي السوري أوضح النعيمي أن سوريا من خلال بناء شراكات مع المنظومة الدولية انتقلت من مرحلة التكتيك إلى مرحلة الاستراتيجية، لا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية خاصة بعد زيارة قائد القيادة المركزية إلى دمشق ولقائه مع الرئيس أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، إضافة إلى مسؤولين رفيعي المستوى في الدولة السورية، لذلك وبناءً على مخرجات هذه الزيارة والشراكة الاستراتيجية التي أبدتها القيادة السورية ينبغي أن يسمع صداها من خلال ممارسة الضغوط القصوى الأميركية على “تل أبيب” لسحب قواتها من الجنوب السوري. وأشار النعيمي إلى أن واشنطن لديها الكثير من وسائل الضغط التي تستطيع من خلالها أن تجبر كيان الاحتلال على الانسحاب من المناطق التي احتلتها قواته, مضيفاً أنه يجب على واشنطن استثمار عامل التذخير والتسليح الذي يقدّم إلى إسرائيل ووضعه ضمن محددات يمنع من خلالها الاعتداء على دول الجوار, وبالتالي تنتقل سوريا من مرحلة الفوضى الخلاقة التي قادها نظام الأسد المخلوع إلى الاستقرار المستدام على يد الحكومة السورية الجديدة.
مكاسب سياسية
من الواضح أن هذا الواقع العسكري والأمني الجديد الذي تريد فرضه حكومة الاحتلال هو من أجل تحقيق مكاسب سياسية، خاصة وأن رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو كان قد أعلن بعد سقوط نظام الأسد مباشرة إنهاء اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 وأنها لم تعد سارية، وأن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيبقى في المناطق التي احتلها حديثاً في جنوب سوريا بما في ذلك جبل الشيخ، لذلك يريد استغلال هذا الأمر من أجل توسيع رقعة الاحتلال وفرض أمر واقع جديد مستغلاً الأحداث والتوترات القائمة لاسيما ما حصل في السويداء تحت ذريعة حماية “الدروز”، وهو ما يخدم مخططات الكيان ويندرج ضمن الأجندات والأهداف الاستعمارية والتوسعية الإسرائيلية.
سوريا تدرك تماماً هذا المخطط الصهيوني التوسعي، وقد أكدت مراراً وأعلنت في أكثرمن مناسبة أن الجولان أرض سورية محتلة ولن نتنازل عنها، وأن لديها أوراق قوة كثيرة والخيارات أمامها عديدة، لكنّها تفضل التوصل إلى حلّ عبر الطرق الدبلوماسية.
توغلات مستمرة
وفيما يلي أبرز التوغلات التي تمّ رصدها خلال الشهرين الماضيين:
– يوم أمس توغلت قوات الاحتلال في الطريق الواصل بين قريتي العجرف والصمدانية الشرقية بريف القنيطرة وأقامت حاجزاً لتفتيش السيارات والمدنيين.
– في 19 تشرين الأول توغلت قوة إسرائيلية تضم نحو 10 عربات عسكرية في قرية الحانوت بريف القنيطرة وأقامت حاجزاً عسكرياً بين قريتي الحانوت وصيدا الجولان وشرعت بتفتيش المركبات والمارة من أهالي المنطقة، وقامت بتفتيش مواقع عسكرية قديمة للجيش السوري قبل أن تنسحب لاحقاً إلى مواقع تمركزها على الحدود.
– في 16تشرين الأول توغلت دوريات من جيش الاحتلال الإسرائيلي في عدة مناطق وقرى بريف القنيطرة كجباتا الخشب وعين البيضة وتل كروم والصمدانية.
– وفي 15من تشرين الأول توغلت قوة من جيش الاحتلال في قرية أوفانيا وبلدة الصمدانية الشرقية بريف القنيطرة واقتصر الأمرعلى التفتيش فقط.
– في الـ 28 من أيلول توغلت قوة إسرائيلية مؤلفة من 16 آلية عسكرية من تل أبو غيثار باتجاه بلدة صيدا الجولان في ريف القنيطرة الجنوبي وقامت بعمليات مداهمة وتفتيش لمنازل المدنيين.
– في 24 من الشهر ذاته توغلت أيضاً قوة من جيش الاحتلال وداهمت عدة منازل في قرية صيدا الجولان وقامت بتفتيشها من دون أن تعتقل أحداً.
– في 18 من أيلول توغلت قوة عسكرية إسرائيلية في تل الأحمر الشرقي بريف القنيطرة ونفذت أعمال حفر ورفع سواتر ترابية بعد أن توغلت في محيط قرية كودنة بريف المحافظة.
– في 17 أيلول توغلت قوة ضمت أكثر من 15 آلية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في بلدتي جباتا الخشب وأوفانيا وقرية خان أرنبة في القنيطرة واعتقلت أربعة شبان قبل أن تنسحب من المنطقة.
كما تمّ توثيق إنشاء تسع قواعد ونقاط عسكرية رئيسية في محافظة القنيطرة ومحيطها وفق الآتي:
– قمة عرنة (جبل الشيخ)، التي تعد أهم النقاط التي سيطرت عليها إسرائيل وتتيح رصد دمشق ومناطق واسعة من لبنان، حيث بدأ الاحتلال فور دخوله المنطقة بشق طرقات جديدة وبناء ثكنة عسكرية وغرف مسبقة الصنع لإقامة جنوده.
– تلول الحمر (شرق بلدة حضر)، وهو موقع استراتيجي مقابل مجل شمس حيث استغلت إسرائيل انسحاب القوات الروسية لإنشاء ثكنة مراقبة متقدّمة.
– قرص النفل (شمال غرب حضر)، حيث تم شق طريق جديد يصل إلى الحدود وإنشاء مهبط مروحيات مجهز.
– نقطة جباتا الخشب بالقرب من برج الزراعة في محمية طبيعية أنشئت نقطة متقدّمة تحوي مهبطا للمروحيات وغرف مراقبة مع قطع مساحات واسعة من الغابات لتأمين الرؤية العسكرية.
– نقطة شمال بلدة الحميدية، حيث أنشأت إسرائيل مركز قيادة متقدم بعد انسحاب القوات من مباني المحافظة مع إنارة وتأهيل طرق جديدة.
– منطقة العدنانية (قرب سد المنطرة)، وهو موقع مرتفع أقيمت فيه غرف مسبقة الصنع وسواتر ترابية وتمّ منع دخول المدنيين إلى السد باستثناء العاملين فيه.
– نقطة داخل مدينة القنيطرة بالقرب من برج القنيطرة، تم إنشاء نقطة مراقبة جديدة لترسيخ الوجود العسكري في قلب المدينة المهدمة.
– نقطة تل أحمر الغربي جنوب بلدة كودنة، وهو موقع شديد التحصين يتيح كشف ريف القنيطرة الجنوبي وريف درعا الغربي.
– ثكنة الجزيرة (قرية معرية – ريف درعا الغربي)، وتمثل توغلاً إدارياً وعسكرياً داخل محافظة درعا بما يتجاوز حدود القنيطرة التقليدية.
كما تمّ إنشاء نقطتين طبيتين في قريتي الحميدية وحضر بحجة تقديم خدمات محددة “للدروز” ضمن سياسة استقطاب ناعمة.