هل تعوق البيانات الغائبة مسار التعافي في سوريا؟

الثورة – كوثر سمعان:

بمناسبة “اليوم العالمي للإحصاء”، الذي يصادف 20 تشرين الأول، يبرز لدى الجهات المعنية سؤال ملحّ: إلى متى يمكن للدولة أن تواصل العمل في غياب قاعدة بيانات وطنية حديثة وشاملة؟، فبعد أكثر من 14 عاماً من الثورة، لا تزال البلاد تفتقر إلى إحصاء سكاني شامل، ما يعرقل مسارات التنمية، ويعقّد جهود إعادة الإعمار، ويُضعف قدرة المؤسسات على الاستجابة للاحتياجات الفعلية للمواطنين.

منذ آخر تعداد رسمي في عام 2004، اختلفت التقديرات السكانية بين 17 و23 مليون نسمة، هذا التباين الكبير وحده كافٍ لطرح تساؤلات عن مدى دقة أي خطة اقتصادية أو اجتماعية يجري اعتمادها في الوقت الراهن.

فجوة الأرقام

الإحصاء ليس مجرد أداة لجمع الأرقام، بل هو أساس أي تخطيط ناجح، وفي سوريا، تسبّب غياب البيانات الدقيقة في فجوات كبيرة بين الواقع والتخطيط، خاصة في مجالات حيوية مثل توجيه المساعدات، وتحديد أولويات إعادة الإعمار، ورسم السياسات الاقتصادية.

تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في شباط 2025 كشف أن نحو 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بينما ارتفعت نسبة الفقر المدقع إلى 66 بالمئة، مقارنة بـ11 بالمئة فقط قبل عام 2011.

كما سجّل التقرير انخفاضاً حاداً في الناتج المحلي الإجمالي، الذي تقلّص إلى أقل من نصف مستواه السابق، في حين ارتفعت معدلات البطالة لتلامس 25 بالمئة.

في تقرير آخر أصدره البنك الدولي عام 2024، أشار إلى أن أكثر من 69 بالمئة من السكان يعانون من الفقر، وهو ما يعني أن أكثر من 14.5 مليون شخص غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، ومع ذلك، تبقى هذه الأرقام “تقديرات” في غياب جهاز إحصائي رسمي فعّال.

أثر غياب الإحصاء على التنمية

في هذا السياق، قال الدكتور عمار ناصر ٱغا، والمتخصص في إحصاء رياضيات التأمين، إن غياب الإحصاء السكاني الوطني الشامل يعرقل بشكل كبير عملية التخطيط التنموي وإعادة الإعمار في سوريا.

وأوضح أن “غياب قاعدة بيانات دقيقة للسكان يعني عدم القدرة على تحديد الأولويات التنموية بدقة، مثلاً، لا يمكن معرفة المناطق التي تحتاج إلى بنى تحتية أو خدمات إضافية.

كما أن المستثمرين المحليين والدوليين يواجهون صعوبة في تقدير حجم السوق أو القوى العاملة المتاحة، ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات استثمارية غير دقيقة”.

الإحصاء وأثره على الموارد

وأضاف الدكتور عمار: إن “الإحصاءات الدقيقة تلعب دوراً محورياً في تحسين التوزيع العادل للموارد والخدمات بين السوريين، فبدون بيانات سكانية حديثة، من الصعب تحديد الأولويات في توزيع المساعدات أو تخصيص الخدمات، مثل التعليم والصحة، لذا، إذا كانت لدينا إحصائيات دقيقة، يمكن توجيه الدعم بشكل أكثر فعالية نحو المناطق الأكثر حاجة”.

العودة المنظمة للاجئين

وعن دور الإحصاءات في تخطيط عودة اللاجئين، قال الدكتور ٱغا: “الإحصاءات المحدثة ضرورية جداً لتخطيط عودة اللاجئين بشكل منظم وعادل، فعلى سبيل المثال، هناك أكثر من 6 ملايين لاجئ سوري في الخارج، التقديرات السكانية تساعد في تحديد عدد العائدين، مواقعهم، واحتياجاتهم، ما يمكننا من توفير الدعم بشكل متكامل”.

الإصلاحات الإحصائية المستقبلية في سوريا

وفيما يتعلق بالإصلاحات الإحصائية المستقبلية، أكد الدكتور ٱغا أن “أهم أولويات الإصلاح الإحصائي في سوريا تكمن في بناء إطار قانوني ومؤسسي قوي لحماية البيانات وشفافيتها.

يجب أن نعمل على تدريب الكوادر الإحصائية على العمل الرقمي والتحليل الجغرافي، كما يجب إقامة شراكات تقنية مع المنظمات الدولية لتوفير الخبرات اللازمة”.

الجانب التقني لجمع البيانات

أما عن التقنيات الحديثة التي يمكن استخدامها لتحسين جمع البيانات في سوريا، أضاف الدكتور ٱغا: “يمكن استخدام تكنولوجيا المعلومات الجغرافية (GIS) والذكاء الاصطناعي في تحسين جمع وتحليل البيانات، هذه التقنيات توفر دقة أعلى في تحديد مواقع السكان وتوزيعهم، ما يسهم في اتخاذ قرارات مبنية على واقع ملموس”.

دور الإحصاء في عملية إعادة الإعمار

وشدد الدكتور ٱغا على أن “الإحصاء السكاني الشامل ليس مجرد إجراء إداري بل هو أداة استراتيجية لإعادة بناء الدولة.

نحن بحاجة إلى معرفة عدد السكان، مستويات الدخل، نسب البطالة، حجم الدمار في المناطق المختلفة، وحجم الخدمات المفقودة، لكي نتمكن من توجيه الإنفاق العام بشكل يتناسب مع الاحتياجات الفعلية للمناطق المتضررة”.

التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي

وفيما يخص تأثير غياب الإحصاء على جهود المجتمع الدولي، أضاف الدكتور ٱغا: “نعم، غياب الإحصاء في سوريا يمكن أن يعرقل جهود المجتمع الدولي في دعم عملية إعادة الإعمار.

المنظمات الدولية تعتمد بشكل كبير على البيانات السكانية الموثوقة لتصميم برامج المساعدات، وبغياب هذه البيانات تصبح هذه البرامج عرضة للتقدير الخطأ أو التركيز في المناطق الخاطئة”.

الإصلاحات الإحصائية على الصعيد الحكومي

وعلى صعيد آخر، كانت الهيئة العامة للتخطيط والإحصاء، التي يرأسها أنس سليم، قد بدأت عملية إصلاح شاملة للنظام الإحصائي السوري.

بموجب المرسوم الرئاسي رقم 18 لعام 2025، تم إحداث الهيئة لتحل محل المكتب المركزي للإحصاء.

وقال سليم في تصريح رسمي: “الإحصاء هو البوصلة التي نحتاجها لتوجيه الموارد بدقة.

العمل جارٍ على بناء قاعدة بيانات تغطي الاقتصاد والتعليم والصحة، وسنُعلن قريباً عن خطوات تنفيذية ملموسة”.

إن بناء نظام إحصائي موثوق ليس ترفاً مؤسسياً، بل خطوة مفصلية في مسار التعافي الوطني.

ويؤكد الدكتور عمار ناصر آغا أن “الدول لا تُبنى على التقديرات بل على الوقائع والبيانات الدقيقة”.

فمن خلال استخدام التقنيات الحديثة وتوفير البيانات الدقيقة، يمكن بناء سوريا على أسس علمية واقعية، ويُسهم في دعم عملية إعادة الإعمار على أساس من الشفافية والعدالة.

آخر الأخبار
السفير الألماني يدعو إلى تجديد التبادل التجاري مع سوريا   المراهق.. فريسة بين تنمر المجتمع والعالم الرقمي  اختصاصات جديدة تعيد رسم ملامح كليات الشريعة  مشاريع الخريجين وتأهيلهم لسوق العمل على الطاولة   خرسانة المستقبل.. ابتكار سوري يحول الأمطار إلى ثروة مائية  التدريب والتأهيل.. فجوة بين العرض والطلب في سوق العمل  تصدير 11 ألف رأس من الماشية الى السعودية "المركزي" يمنح البنوك مهلة 6 أشهر لتغطية خسائر الأزمة اللبنانية بدء تنفيذ مدّ الطبقة الإسفلتية النهائية على طريق حلب – الأتارب الإحصاء.. لغة التنمية ورهان المستقبل "التربية والتعليم ": الإشراف التربوي في ثوب جديد وزير الداخلية يترأس اجتماعاً لبحث الواقع الأمني في ريف دمشق "المواصلات الطرقية": نلتزم بمعايير الجودة بالصيانة وضعف التمويل يعيقنا البنك الدولي يقدّر تكلفة إعادة إعمار سوريا بـ216 مليار دولار "صحة اللاذقية" تتابع 24 إصابة بالتهاب الكبد A في "رأس العين" حملة إزالة الأنقاض تعيد الحياة إلى شوارع بلدة معرشمشة سوريا والصين.. رغبة مشتركة في تصحيح مسار العلاقات زيارة الشيباني المرتقبة إلى بكين.. تعزيز لمسار التوازن السياسي هل تعوق البيانات الغائبة مسار التعافي في سوريا؟ شوارع حلب تقاوم الظلام .. وحملات الإنارة مستمرة