خرسانة المستقبل.. ابتكار سوري يحول الأمطار إلى ثروة مائية 

الثورة – عبد الحميد غانم :

ضمن فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر ومعرض صناعة الإسمنت والمجبول البيتوني في مدينة المعارض، أعلن الأستاذ في كلية الهندسة الدكتور محمود إسماعيل عن نتائج بحث مبتكر يفتح آفاقاً جديدة لمواجهة شح الأمطار وهدر مياهها.

البحث تحت عنوان”الخرسانة النفوذة”، بلاطة أرضية تسمح للماء بالتسرب إلى باطن الأرض، لتروي ظمأ التربة وتغذي المخزون الجوفي، بدلاً من أن تذهب هدراً في البحار والمجاري.

ما هي الخرسانة النفوذة؟

ليست كل أنواع الخرسانة متشابهة، فالخرسانة التقليدية التي نعرفها تهدف إلى إنشاء سطح صلب ومتين ومقاوم تماماً لتسرب الماء، لكن الخرسانة النفوذة، كما يشرح الدكتور محمود إسماعيل، أستاذ الهندسة المدنية، هي “نوع من الخرسانة الخاصة التي تحتوي على نسبة فراغات متصلة”.

هذا التوصيف العلمي يعني ببساطة أن هذه الخرسانة مسامية التركيب، تشبه الإسفنج الصلب، مما يسمح للماء بالمرور عبرها.

غير أن الدكتور إسماعيل يوضح نقطة في غاية الأهمية، قائلاً: “ولكن لا تتسرب الماء ضمن هذه الخرسانة”. قد يبدو هذا متناقضاً للوهلة الأولى، لكن التفسير يكمن في آلية عملها؛ فالماء لا يتبقى داخل جسم الخرسانة نفسه ليتسبب في تلفها أو تجمدها، بل يعبر من خلال هذه الفراغات المتصلة مباشرة إلى التربة التحتية، ليملأها وينزل تدريجياً ليغذي الطبقات الجوفية. إنها تشبه جسراً عبورياً للمياه من السطح إلى الأعماق.

لقاء العِلم مع الحاجة

ويبرز الدكتور إسماعيل السياق الزمني الملح لهذا الابتكار، مشيراً إلى أنه “في الوقت الحاضر نحن نعاني من قلة أمطار، وأيضاً أحياناً تسقط الأمطار بشدة كبيرة، وخلال فترة زمانية قصيرة”.

هذه الملاحظة الدقيقة تلامس واحدة من أبرز إشكاليات التغير المناخي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي تذبذب هطول الأمطار، حيث تتحول من مواسم جفاف مطولة إلى سيول عارمة تهدر فيها كميات هائلة من المياه دون أن يتم الاستفادة منها، بل وتتحول إلى مصدر للخطر والدمار.

هنا تكمن براعة الحل الذي تقدمه الخرسانة النفوذة، فهي “مناسبة لهذا النوع من المطر”، كما يؤكد الدكتور إسماعيل، “كونها تسمح بتسرب المياه إلى داخل التربة، وبالتالي تغذية المياه الجوفية”.

إنها تحول الأزمة إلى فرصة، والتهديد إلى مورد.

من الجامعة إلى الواقع

لم يبق هذا الابتكار حبيس الأبحاث العالمية أو مختبرات الدول المتقدمة، بل نجح فريق بحثي سوري في تحقيقه محلياً، ويشير الدكتور إسماعيل إلى أن “البحث الذي عرضنا نتائجه اليوم، كان هو عن بحث ماجستير تم إنجازه بكلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق، من قبل المهندس مؤمن مطرود  وبإشرافي”.

ويكمن جوهر الإنجاز في الإجابة على سؤال محوري: “هل المواد المحلية تسمح بإنتاج هذا النوع من الخرسانة؟”، وكانت الإجابة، بعد جهد علمي دؤوب، بـ “نعم”.

ويوضح الدكتور إسماعيل: “حقيقة نحن أخذنا المواد المحلية وقمنا بالاختبارات عليها، ثم صممنا الخلطة وأجرينا الاختبارات العامة الموجودة في المواصفة الأمريكية ACI 522، من حيث نسبة الفراغات، من حيث الكثافة، من حيث نفاذية ومن حيث المقاومة”.

وهنا، تبرز قيمة هذا الإنجاز؛ فهو لم يقتصر على نقل التكنولوجيا فحسب، بل على تأصيلها وتوطينها، واختبارها وفقاً لأعلى المعايير العالمية (المواصفة الأميركية ACI 522) للتأكد من جودتها وكفاءتها.

والنتيجة، كما يعلنها المشرف على البحث بفخر، هي “نحن على المستوى المحلي، يمكن إنتاج هذه الخرسانة بالمواد المتوفرة محلياً، واستخدامها في المجالات التي توصي بها أيضاً المواصفة”.

ولا تصلح الخرسانة النفوذة لجميع التطبيقات، وهذه نقطة مهمة يوضحها الدكتور إسماعيل بدقة: “لا، ليست كل أنواع البيتون، لا، ليست كل شوارع. حقيقة هي إلى مجال محدد للاستخدام لأنها لديها محدودية في المقاومة”.

فمجالات استخدامها تتلاءم مع المناطق التي لا تتعرض لإجهادات مرورية عالية أو أحمال ثقيلة، مما يحفظ كفاءتها وعمرها الافتراضي.

ويعدد الدكتور إسماعيل هذه المجالات:  الأرصفة، الحدائق، ممرات المشاة، مواقف السيارات (الباركينغ)، جدران الضجيج، الطرق ذات الكثافة المرورية المنخفضة.

هذه القائمة توضح الطبيعة التكميلية لهذه الخرسانة، حيث يمكن أن تكون حلاً مثالياً للمساحات التي تحتاج إلى تبليط مع الحفاظ على الدورة الطبيعية للمياه.

فوائد بيئية

ويقول: الفوائد التي تقدمها الخرسانة النفوذة تتجاوز بكثير فكرة البناء نفسه، لتمس صميم الأمن المائي والاستدامة البيئية. ويستند الدكتور إسماعيل في ذلك إلى تصنيف الوكالة الأميركية لحماية البيئة، التي تعد هذه الخرسانة “أحد الأساليب التي تحمي المياه الجوفية وأيضاً تحمي المياه السطحية من التلوث”.

وعند سؤال الدكتور إسماعيل عما إذا كانت هذه الخرسانة ستمنع تجمع المياه، كانت إجابته حاسمة ومباشرة: إنها الحل الهندسي الأنيق لمشكلة تجمع المياه التي تزعج المارة وتدمر الطرق وتسبب الحوادث.

آخر الأخبار
السفير الألماني يدعو إلى تجديد التبادل التجاري مع سوريا   المراهق.. فريسة بين تنمر المجتمع والعالم الرقمي  اختصاصات جديدة تعيد رسم ملامح كليات الشريعة  مشاريع الخريجين وتأهيلهم لسوق العمل على الطاولة   خرسانة المستقبل.. ابتكار سوري يحول الأمطار إلى ثروة مائية  التدريب والتأهيل.. فجوة بين العرض والطلب في سوق العمل  تصدير 11 ألف رأس من الماشية الى السعودية "المركزي" يمنح البنوك مهلة 6 أشهر لتغطية خسائر الأزمة اللبنانية بدء تنفيذ مدّ الطبقة الإسفلتية النهائية على طريق حلب – الأتارب الإحصاء.. لغة التنمية ورهان المستقبل "التربية والتعليم ": الإشراف التربوي في ثوب جديد وزير الداخلية يترأس اجتماعاً لبحث الواقع الأمني في ريف دمشق "المواصلات الطرقية": نلتزم بمعايير الجودة بالصيانة وضعف التمويل يعيقنا البنك الدولي يقدّر تكلفة إعادة إعمار سوريا بـ216 مليار دولار "صحة اللاذقية" تتابع 24 إصابة بالتهاب الكبد A في "رأس العين" حملة إزالة الأنقاض تعيد الحياة إلى شوارع بلدة معرشمشة سوريا والصين.. رغبة مشتركة في تصحيح مسار العلاقات زيارة الشيباني المرتقبة إلى بكين.. تعزيز لمسار التوازن السياسي هل تعوق البيانات الغائبة مسار التعافي في سوريا؟ شوارع حلب تقاوم الظلام .. وحملات الإنارة مستمرة