الثورة – ثناء أبو دقن:
كانت النظافة وما زالت تحمل بعداً ثقافياً واجتماعياً عميقاً في البيئة السورية وفي الموروث الاجتماعي. فهي تعتبر جزءاً من التربية والتقاليد التي تمثل احتراماً للمجتمع.
نذكر عندما كنا صغاراً، كيف كانت نظافة الحارة أمام دور المنازل جزءاً أساسياً من مفهوم “نظافة المنزل”، كسلوك وثقافة يومية يتم تعليمها للأطفال منذ الصغر. فتغدو الحارة بالنسبة للكثيرين المساحة الحرة لممارسة الألعاب والهوايات والتفاعل مع الجيران والأصدقاء.
فالعناية بنظافة الحارة نوع من الاحترام المتبادل بين الجيران. كما يقول تيسير الأوتاني من منطقة ببيلا فكل شخص مهتم بهذا الأمر يجعل الحي مكاناً أنظف وأفضل للجميع، وكي يشعر بأنه في مكان مرحب به ولائق لاستقباله، فالنظافة تعكس شخصية المجتمع وأفراده.
أما اليوم فقد غاب هذا الاحترام في كثير من المناطق، وبات الناس يعتمدون على عمال النظافة والجهات الحكومية، التي لن تستطيع أن تنوب عن المجتمع الأهلي في تنظيف الحارات والمحلات.
(شو بدهم يلحقوا) تقول المدرسة كفاح عيسى بهذا الخصوص إن نظافة الحارة تعد جزءاً من جمال الأمكنة، فالبيوت، والحارات والشوارع مليئة بالأشجار، والزهور، والأرصفة النظيفة، ما يعكس الاهتمام بالجمالية والراحة في الحي. إذ كنا نخصص كل يوم بضع دقائق نشاط لتنظيف الصف والباحات، وما زلنا حتى الآن نقوم بذلك، مؤكدة أن التنظيف يمنح شعوراً بالفخر والمباهاة بين الطلاب بأن قاعة صفهم أنظف وأجمل من مثيلاتها، في حين يتباهى الجيران أنّ مدخل بيتهم مريح وأنيق يعكس نظافة ورتابة أهل البيت، خاصة في الأحياء والحارات الشعبية القديمة. فيما يقول أكرم السعدوني من حي القزاز: صدقاً أنا أقوم بتنظيف الحارة صباحاً قبل ذهابي إلى عملي وهذا يعادل عندي تنظيف البيت، أما بالنسبة للمساءً فهذا شأن آخر، كونه وقت التلاقي مع الأصدقاء والجيران على وقع (جمعة شرب المتة وأبخرة القهوة والشاي. هو مكاننا الأنسب والمحبب بعيداً عن إحراج أهل البيت، ولهذا نحرص على تنظيفه وتهيئته وتزيينه بالنباتات و(الزريعة)، فالنظافة أمام البيت تساوي عندي نظافة بيتي وهذا يجعلني أحرص عليهما باستمرار.
فقدنا روح المشاركة
– محمد شوّال من حي سيدي قداد: زمان كان الآباء يحرصون على تعليمنا أن النظافة تبدأ من البيت ثم تمتد إلى ما حوله. كان تنظيف الحارة أمام البيت نوعاً من الالتزام الاجتماعي، وتذكيراً لنا بأن البيت ليس فقط ما هو داخل جدرانه، بل كل ما يحيط به. أما اليوم فإننا نشهد ظواهر اجتماعية بعيدة كل البعد عن عاداتنا وأخلاقنا التي تربينا عليها، فالجيران لم يعودوا يهتمون بذلك، بل على العكس باتوا يرمون الأوساخ والقمامة أمام البيوت بلا مبالاة، وفي كثير من الأحيان يتم رمي أكياس القمامة من الشرفات وأسطحة المنازل إلى الشوارع أو الحارات بكل استهتار واستخفاف ناهيك عن تمزق الأكياس نتيجة رميها وتبعثر القمامة في طريق المارة.. إنه منظر مقزز وللأسف.
– تهاني عزيزية وصفت حالة من الشعور القوي السائد سابقاً من خلال التعاون بين الجيران في تلك الأيام. لطالما الجميع يساهم في تنظيف الرصيف أمام بيته، ما يساعد في خلق بيئة نظيفة وصحية. حيث كانت تلك الفترات تحمل في طياتها أيضاً فرصة للتفاعل مع الجيران، إذ كان الجميع يعمل معاً، ويتبادلون أطراف الحديث أثناء القيام بالمهمة. حتى أن مساعدة الأسر لبعضها البعض، ساعد بتزويج بنات العائلات نتيجة هذا التفاعل. أما اليوم معظم الجيران يتعاملون بتحفظ مع انقطاع، حبال المودة والتواصل إلا بما تقتضيه الرسميات.
منى أبو شاهين روت معاناتها مع جيرانها في ذات البناء: كنا نقوم سابقاً بشطف الدرج لبنايتنا وتنظيف مدخل البناء وذلك يتم إما بالتعاون بين الجميع أو بالاتفاق، فتتشارك كل عائلتين في التنظيف بشكل دوري مع بقية العائلات وهكذا يبقى البناء من الداخل نظيفاً. أما الآن وبعد أن سكن جيران جدد لا تعرف النظافة طريقاً اليهم ورفضهم التعاون معنا بالتنظيف وبدؤوا برمي فضلاتهم على الدرج، صار الدرج والمدخل بمنظر مزرٍ وهم لا يبالون. وهكذا بدأت المشاكل والعراكات اليومية بين الجيران، والبلدية لم تحرك ساكناً للأسف.
غياب القانون عن المحاسبة
وبدورنا رفعنا هذه المعاناة إلى رئيس بلدية ببيلا المهندس محمد ابراهيم عنتر حيث أفاد أن البلدية تقوم بتنظيف الشوارع والمداخل الرئيسية وترحل القمامة بشكل يومي أما فيما يخص موضوع نظافة الشوارع الفرعية والحارات فإن البلدية تقدم أقصى ما عندها من إمكانيات لترحيل القمامة بشكل يومي.
وعتب رئيس البلدية على غياب الثقافة المجتمعية فيما يخص النظافة العامة أمام البيوت والمحلات، فهي تبدو في أدنى مستوياتها، وليس هناك أي مراعاة للذوق العام أو الإحساس بالمسؤولية.
أما فيما يتعلق بالمشاجرات والإزعاجات والشكاوى على الجيران الذين يرمون القمامة أينما وكيفما كان. فلا يوجد أي قانون محاسبة أو فرض عقوبة أو غرامة على هؤلاء، وأي إجراء بهذا الشأن هو غير مفعل حالياً.
وتمنى أن يوجد في الوقت القريب إجراءات وغرامات قانونية رادعة تحدّ من هذه الظاهرة.
مع ذلك تبقى فكرة تنظيف الحارة أمام البيت مرتبطة بالكثير من القيم الاجتماعية والصحية التي كانت تُعلّم في الماضي. وبغض النظر عن التغيرات في الحياة اليومية، يظل من الضروري أن نعيد إحياء بعض هذه العادات الجميلة لتعزيز التعاون الاجتماعي والاهتمام بالبيئة المحيطة بنا.