الثورة – خلود شحادة:
يشكل سجن تدمر جرحاً مفتوحاً في ذاكرة السوريين، وأحد أبرز الأمثلة على ممارسات التعذيب والقمع التي تعرض لها الشعب السوري طوال عقود، وسحق كل محاولة للتغيير أو المعارضة.
السجن بناه الفرنسيون في ثلاثينيات القرن العشرين إسطبلاً للخيول، ثم تحول إلى سجن عسكري، ومنذ عام 1966 أصبح يستقبل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، ويعرف بأنه من أسوأ السجون السورية بسبب التعذيب وسوء المعاملة، نفذت فيه عمليات إعدام ميداني راح ضحيتها آلاف السوريين، وأغلق نحو 10 سنوات، ثم أعيد فتحه مع بدء الثورة السورية.
في يوم 21 أيار 2015 سيطر تنظيم داعش بعد معارك مع الجيش السوري على مدينة تدمر وسجنها الذي كان خالياً من المعتقلين، وفي الـ30 من الشهر نفسه فجّر التنظيم السجن بعد تفخيخه بالمتفجرات.
يقع سجن تدمر في صحراء حمص قرب موقع تدمر الأثري القديم على بعد نحو 200 كيلومتر شمال شرقي العاصمة السورية دمشق قرب وادي عويطة، حيث وجدت مقابر جماعية لجثث كثير من المعتقلين الذين قتلوا في مجازر جماعية بالسجن أو جراء التعذيب أو نتيجة الأمراض وغيرها.
وفي بداية الثمانينات تم تخصيص السجن في صحراء تدمر وسط سوريا ليكون منشأة خاصة بالجنود والمقاتلين في الجيش السوري.
لكن سرعان ما تحول السجن إلى مكان احتجاز للمعتقلين السياسيين والنشطاء الذين يعارضون النظام.
في عام 2001 أُغلق السجن ونقل المعتقلون فيه إلى سجون أخرى، لكن بعد بدء الثورة السورية أعيد فتحه يوم 15 حزيران 2011، وتؤكد منظمة هيومن رايتس ووتش أنه في كانون الأول 2011 اعتُقل فيه نحو 2500 شخص.
أصبح سجن تدمر العسكري على مر السنين معروفاً بتطبيق أساليب تعذيب وحشية على السجناء بهدف إخضاع المعتقلين وكسر إرادتهم، إضافة إلى ذلك شهد ذاك السجن حالات متعددة من القتل العمد للمعتقلين.
ومن أبرز الأحداث المأساوية التي حصلت في هذا السجن مذبحة تدمر في عام 1980، عندما قام النظام المخلوع بإعدام مئات من المعتقلين السياسيين دون محاكمة، حيث أصبح رمزاً للقمع السياسي في سوريا ووسيلةً للانتقام من كل من يعارض النظام.
وكان النظام المخلوع يستخدم السجن كأداة لترهيب المجتمع المدني وإجباره على الصمت، وكان السجن يحوي مجموعة واسعة من المعتقلين منهم شخصيات سياسية معارضة.
لم يقتصر العنف على المعتقلين من التيارات السياسية، بل كان هناك أيضاً العديد من المعتقلين الذين تم احتجازهم لمجرد التعبير عن آرائهم، أو لمجرد الاشتباه في تعاطفهم مع المعارضة.
الناجون من سجون النظام السوري كثيراً ما تحدثوا عن تجربة “الموت البطيء”.
تحدث البعض عن الزنزانات المكتظة، حيث كان يُحتجز أكثر من 50 شخصاً في غرفة لا تتسع لعشرة.
انتشرت الأمراض الجلدية والتنفسية، وانعدم الغذاء والرعاية الصحية.
إحدى الناجيات قالت في شهادتها:”كنا نعيش في قبو مظلم بلا هواء، كان هناك صراخ دائم، ودماء على الجدران، ورعب لا ينتهي، كنت أحسد من يموت، لأن عذابه انتهى.