الثورة- منذر عيد:
يمثل قرار بريطانيا رفع اسم “هيئة تحرير الشام” عن قائمة الإرهاب بمقتضى أمر تشريعي عُرض في البرلمان، خطوة سياسية هامة في سياق إعادة تقييم السياسات الغربية تجاه سوريا، كما أنه يعكس التحولات الكبرى التي قد تشهدها المنطقة في المستقبل، والحاجة إلى حلول سياسية شاملة تكون بريطانيا جزءاً منها.
المختص بالقانون الجنائي الدولي والعلاقات الدولية المعتصم الكيلاني، وفي تصريح خاص لـ”الثورة” أكد أن هذا القرار يأتي في إطارالمراجعات الدورية التي تجريها الحكومة البريطانية، استناداً إلى قانون الإرهاب لعام 2000 (Terrorism Act 2000)، والذي يمنحها صلاحية إدراج أو حذف التنظيمات من قوائم الإرهاب، إذا تغيّرت الظروف السياسية أو الأمنية بصورة جوهرية.
وبموجب هذا الإجراء، أُسقطت الآثارالقانونية المترتبة على تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية داخل المملكة المتحدة، وهو ما يفتح الباب لتغيّر في نمط التعامل القانوني والسياسي مع الجهة التي كانت تُعتبر سابقاً تهديداً للأمن الدولي، بحسب التقييمات الأوروبية والأميركية.
وفيما يخص الأسباب والدوافع، يقول الكيلاني: إن الحكومة البريطانية أشارت إلى أن القرار يأتي استجابة لما وصفته بـ«التطورات الكبيرة في سوريا» بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، ورغبتها في الانفتاح على الحكومة السورية الجديدة التي تمثلها قوى كانت تُصنف سابقاً ضمن المعارضة المسلحة، وقد أوضحت لندن أن الخطوة تهدف إلى إتاحة تفاعل أوثق مع الدولة السورية الجديدة والتعاون في ملفات مثل الهجرة، نزع الأسلحة الكيميائية، ومكافحة الإرهاب، وهي ملفات تمثل أولويات أمنية وسياسية للمملكة المتحدة في المرحلة المقبلة”.
ومن الناحية السياسية أكد الكيلاني أن القرار يُعدّ تحوّلاً واضحاً في الموقف البريطاني تجاه سوريا، إذ يحمل دلالات تتجاوز البعد القانوني إلى الرغبة في إعادة تموضع دبلوماسي يعيد لبريطانيا نفوذها في منطقة فقدت فيها كثيراً من تأثيرها خلال السنوات الماضية، كما يعكس القرار توجهاً غربياً متنامياً نحو إعادة قراءة الواقع السوري، خصوصاً بعد أن سبقت الولايات المتحدة لندن بخطوة مماثلة في تموز 2025 ،حين ألغت تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية أجنبية.
وبين الكيلاني أنّ الخطوة لا تخلو من مخاطر سياسية وقانونية، إذ قد تُتهم بريطانيا بأنها تخلّت عن معايير مكافحة الإرهاب الصارمة لحساب مصالحها الاستراتيجية، خاصة وأنّ “هيئة تحرير الشام” ما زالت مدرجة على قوائم الإرهاب لدى الأمم المتحدة وعند عدد من الدول الأوروبية، وفي الوقت نفسه، يُحتمل أن يفتح القرار الباب أمام تطبيع تدريجي للعلاقات بين دمشق ولندن، تمهيداً لتعاون أوسع في الملفات الأمنية والإنسانية، وربما في إعادة الإعمار مستقبلاً.
وقال الكيلاني:” أما على الصعيد الدولي، فاحتمال انعكاس القرار على مستوى مجلس الأمن الدولي أراه مؤثراً حيث اعتقد أن اليوم ستعقد جلسة لإزالة اسم الرئيس أحمد الشرع واسم وزير الداخلية أنس خطاب من قوائم الإرهاب، أما بالنسبة لإزالة الهيئة من قوائم الإرهاب الأممية تحتاج إلى إجماع دولي وتقييمات أمنية معقدة تثبت أن الجماعة لم تعد تمارس أو تدعم الإرهاب، ومع ذلك، يمكن أن يشكّل القرار البريطاني سابقة سياسية تشجع على مراجعة الموقف الدولي من الكيانات السورية المسلحة في ضوء التحولات السياسية والميدانية الجديدة.
وختم الكيلاني بالقول: “في المحصلة، فإن قرارالمملكة المتحدة برفع اسم “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب يُعدّ نقطة تحول قانونية وسياسية في التعامل مع الملف السوري، وهو يعكس مقاربة براغماتية جديدة توازن بين المصالح الأمنية والاعتبارات الواقعية، ويعيد فتح الباب أمام مقاربة مختلفة لسوريا ما بعد الحرب، سواء عبر إعادة قنوات الاتصال أو التعاون في ملفات إقليمية كبرى مثل الهجرة، نزع الأسلحة الكيميائية، ومكافحة الإرهاب، وهي مجالات ترى فيها لندن مدخلاً لإعادة نفوذها وتأثيرها في الشرق الأوسط”.